الذاكرة الدموية
مقالة عن يوم إبادة الأذربيجانيين -31 مارس/ آذار بجريدة الشروق المصرية
باكو، 31 مارس/ آذار (أذرتاج).
أفادت وكالة (أذرتاج) أنه تم إدراج مقالة موسعة بجريدة الشروق المصرية بمناسبة عن يوم إبادة الأذربيجانيين -31 مارس/ آذار تحت عنوان "أما آن للشعوب المقهورة من سلام؟" للكاتب الصحفي أحمد عبده طرابيك.
وتقدم وكالة "أذرتاج" لقرائها النص الكامل للمقالة:
التنقيب في صفحات التاريخ، يكشف لنا كثيرا من المآسي التي عانتها الشعوب، وخاصة الشعوب التي تريد العيش في سلام واستقرار، فكما هو الحال الآن، القوي يريد التهام الضعيف، فإن الشعوب المسالمة هي التي دائما ما تتعرض للمحن والشدائد، وكأن هذا العالم الإنساني، تجرد من إنسانيته، وأصبح يحتكم إلي قانون الغابة، لا عيش فيه للمسالمين الأحرار.
عندما تصبر الشعوب علي ما ابتلاها من ظلم الحكام المستبدين، وهيمنة الكبار الطامعين، يزداد استبدادهم وطغيانهم وهيمنتهم، وعندما يثور شعب علي حاكم ظالم مستبد، أو هيمنة طامع مستغل، يصبح هذا الشعب متمرد وخارج عن القانون، أي قانون هذا؟ نعم إنه قانون الطغاة الذين وضعوا قوانين الغابة، التي تم تفصيلها بحسب مقاس طغيانهم وظلمهم، وحتي تلك القوانين تضيق في كثير من الأحيان علي من صنعوها فيتجاوزونها بحدود، لأنهم اعتادوا علي الظلم والهيمنة والطمع علي ما عند الآخر.
التاريخ يعيد نفسه ثانية، أم أن الطغاة يكررون أحداث التاريخ؟ ولكن لماذا يفهم الطغاة النصف الأول من قصة التاريخ، ويتجاهلون أو يتناسون النصف الآخر، وهو أن الغلبة والنصر دائما لأصحاب الحقوق، حتي وإن طال الزمان علي طغيانهم وظلمهم وهيمنتهم؟.
وعلي الرغم من أنني لا أميل إلي تصنيف العلاقات بين الدول والأمم والشعوب - سواء كانت علاقات تعاون وسلام، أو علاقات عداوة وصراع - إلي التصنيف العقائدي والديني، فإن الأحداث التي نشاهدها، والتي سجلتها صفحات التاريخ تبين لنا أن الشعوب الإسلامية من أكثر الشعوب التي تعرضت ومازالت تتعرض للاضطهاد والقهر، وما حدث في العراق، ويحدث الآن في أفغانستان، وما تتعرض له إيران منا ببعيد عن تلك الصورة.
في مايو 1918، وبعد انهيار الإمبراطورية الروسية خلال الحرب العالمية الأولي، أعلنت أذربيجان استقلالها باسم جمهورية أذربيجان الديمقراطية، وكانت تلك هي أول جمهورية برلمانية حديثة في العالم الإسلامي، حيث ولدت تلك الجمهورية الديمقراطية بعد أن دفع شعبها ثمنا غاليا في سبيل قيام تلك الجمهورية، ورغم ذلك فإن استمرارها لم يدم طويلا، فقد تداعت عليها يد الغدر سريعا، لتقتل وتشرد وتدمر، وترتكب أبشع الجرائم الإنسانية بحق الأمة الأذربيجانية، وتدخل مرحلة جديدة تحت قبضة الحكم السوفيتي الذي هيمن عليها حتي إعادة استقلالها مرة أخري عام 1991 بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
لقد كانت أحداث مارس 1918، من أكثر الأحداث دموية في تاريخ شعب أذربيجان، رغم أنها لم تكن المذبحة الأولي أو الأخيرة التي يتعرض لها ذلك الشعب سواء علي يد الجيش السوفيتي كما في أحداث 20 يناير 1990، أو سواء كانت علي يد الجيش الأرمني كما في مذبحة خوجالي 25 فبراير 1992، فالمأساة الوطنية للشعب الأذربيجاني بدأت منذ تقسيم أراضية التاريخية بموجب معاهدتي جولستان عام 1813، وتركمانشاي عام 1828 بين روسيا وإيران، كما أن سياسة الأطماع الخارجية في الاستيلاء علي أراضيه استمرت باحتلاله من قبل روسيا، ومنذ ذلك الحين أصبحت سياسة التطهير العرقي والإبادة الجماعية جزءاً لا يتجزأ من تاريخ ذلك الشعب.
كانت مقدمة تلك الأحداث قد بدأت في عام 1917 حيث قام الأرمن مستفيدين من الوضع الذي أعقب الحرب العالمية الأولى، وثورتي فبراير وأكتوبر "الثورة البلشفية" عام 1917 في روسيا بتنفيذ خطتهم الموجهة نحو ترحيل الأذربيجانيين من أراضيهم تحت سمع البلاشفة "القيادة السوفيتية" بحجة مقاومة العناصر المناهضة للثورة، وكانت ليلة 31 مارس 1918 الأكثر دموية في مدينة باكو خلال تلك الأحداث، فقد قُتل أكثر من ثلاثة آلاف أذربيجاني في تلك الليلة الحزينة، كما تم اضرام النار في البيوت، فاحترق الناس أحياء، وتم تدمير الآثار المعمارية الوطنية والمدارس والمعالم الإسلامية، والمستشفيات والمساجد وحولوا أجزاء واسعة من باكو إلى خراب ودمار.
وتواصلت أعمال القتل والإبادة للسكان الإذربيجانيين، والتي بدأت في باكو لتمتد إلى باقي مدن أذربيجان، والقرى الاذربيجانية في أرمينيا وخلال الفترة من 30 مارس وحتى الأول من ابريل 1918 قُتل أكثر من خمسين ألف أذربيجاني، وأجبر مئات الآلاف على النزوح من موطنهم، لتبدأ رحلة حياتهم في المهجر والشتات في ظروف معيشية واجتماعية قاسية.
لقد كانت مذبحة الأذربيجانيين في مارس 1918 إبادة جماعية بحق شعب يريد العيش في سلام علي أراضيه التاريخية التي لم يعرف سواها وطنا له، ولأن من ارتكب تلك المذابح يعرف مدي بشاعتها وفظاعتها، فإنه يريد الآن أن ينتزع اعترافا بارتكاب تركيا العثمانية مذابح بحق الأرمن عام 1915، رغم ما يعتري تلك الادعاءات من تشكيك في مدي حدوثها، لكن إذا كان الأرمن يريدون أن تتم محاسبة كل من اقترف جرما صغيرا أو كبيرا علي ما قام به، فهل لديهم النية والشجاعة علي الاعتراف والمحاسبة علي ما قاموا به من مذابح بحق شعب أذربيجان سواء ما حدث في عامي 1905، 1907، أو خلال مذابح الأذربيجانيين في مارس عام 1918، أو مذبحة خوجالي في فبراير عام 1992؟
وهل الأرمن علي استعداد لأن تتولي جهات قانونية وحقوقية محايدة التحقيق والوصول لكل الحقائق حول تلك الجرائم سواء ما ارتكبتها هي، أو ما تدعيه بأنه ارتكب في حق شعبها؟، وبعيدا عن الصفقات والضغوط السياسية التي تمارسها اللوبيات الأرمينية في عدد من الدول الغربية.
إن ما تصر عليه أرمينيا من احتلال أراضي أذربيجان "منطقة قره باغ الجبلية"، وعدم الاستجابة لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة الداعية إلي انسحاب أرمينيا من الأراضي التي احتلتها في قره باغ هو دليل علي استمرار سياستها الخاصة بتحقيق أطماعها علي حساب دول الجوار، وعدم التعايش السلمي مع شعوب المنطقة، وتوجيه الطاقات للتنمية ورفاهية الشعوب بدلا من توجيهها للتسلح وإشعال الحروب وتوريث العداوات بين الشعوب.