ثقافة
في ذكرى استقلالها... اذربيجان ... قطعة فنية ستظل شاهدة على حقبة مهمة من تاريخها
باكو، 20 أكتوبر / تشرين الأول (أذرتاج).
أدرجت الجريدة العراقية الشهيرة "المراقب العراقي" في صفحات عددها اليوم مقالا للدكتور الأستاذ معتز محي عبد الحميد تحت عنوان " في ذكرى استقلالها...
اذربيجان ... قطعة فنية ستظل شاهدة على حقبة مهمة من تاريخها". وتعيد وكالة أذرتاج تقديم نص المقال لقرائها من العالم العاربي.
"عندما تحط بك الطائرة في باكو، وتتجاذب أطراف الحديث مع المرافق السياحي ينتابك شعور بأنك صرت جزءا من عملية "بروباغاندا" قوية تستهدف إيصال رسالة إلى العالم تقول فيها بأن باكو "وصلت".. بأنها عاصمة غنية بثقافتها واصالتها وجمالها، وليست مجرد عاصمة قوقازية غنية بالنفط فحسب. وبما أن المعماريين أصبحوا في العقود الأخيرة، وسيلة تعتمدها الدول والحكومات لتلميع صورها بخلق معالم جديدة أشبه بالأيقونات ترمز إلى تقدمها الاجتماعي والثقافي وتخلصها من أي إيحاءات سلبية قد تكون ارتبطت بها في السابق، لم تجد العاصمة باكو، أفضل من المعمارية العراقية زها حديد لكي تحقق لها مبتغاها وتشبع طموحها. فالمصممة العراقية الأصل، تتمتع بلغة قوية وجريئة لا تعترف بالحل الوسط، وهذا هو المطلوب عندما صممت المركز الثقافي لحيدر علييف ومراكز ثقافية وعلمية مهمة. فهي كما قال لارس موللر، مؤلف كتاب خاص عن مركز حيدر علييف: "لا تكتب بيانات رسمية.. بل تبنيها بالإسمنت والحديد".
جمال الطبيعة والملامح الشرقية
لم يكن في مخيلتي ان هذا البلد يحمل كل هذا السحر من الاصالة والتطور أيضا، فقد لا يعرف الكثيرون ان اذربيجان تحمل الكثير من الملامح الشرقية والتقارب الثقافي مع معظم ثقافات العالم فانت تشعر وانت تزور هذا البلد انه شرقي وغربي وشمالي وجنوبي في الطباع والملامح.
وكما نعرف جميعا فان اذربيجان واحدة من ست دول تركية ولغتها الآذرية وتقع بالطبع في قارتي آسيا واوروبا بالتحديد في منطقة القوقاز و أوراسيا أي اوروبا وآسيا على بحر قزوين وبالجوار ايران وجورجيا وتركيا وروسيا وارمينيا.
وفى اول وهلة قبل هبوط الطائرة في مطار الزعيم القومي لأذربيجان حيدر علييف يأخذ المطار شكل قبة المسجد والخيمة ايضا وفى طريق المطار الى العاصمة الجميلة باكو كثير من المباني التاريخية والمبنية بطراز كلاسيكي رائع ثم هذه الابراج المرتفعة في تنسيق بديع مع بعضها البعض ويطل برج باكو بارتفاع شامخ مع ألوان زاهية في المساء.
وتجمع العمارة الأذربيجانية عادة بين عناصر من الشرق والغرب. العديد من التحف المعمارية القديمة مثل برج العذراء وقصر الشيروانشاهات في المدينة المسورة في باكو لا تزال حية حتى الآن. تشمل المواقع المدرجة على قائمة مواقع التراث العالمي لليونسكو محمية قوبستان ومعبد النار في باكو وضريح مومين خاتون وقصر خانات شاكي في شكي ويعد متحف اثار الانسان الاول على الصخور في منطقة قوبستان الذي يتضمن رسوم رسمها الانسان الاول قبل الآلاف السنين. ومن بين الكنوز المعمارية الأخرى من العصور الوسطى التي تعكس تأثير عدة مدارس قصر شاهات شيروان في باكو وقصر خانات شكي في بلدة شكي في شمال وسط أذربيجان ومعبد سوراخاني في شبه جزيرة أبشيرون وعدد من الجسور الممتدة على نهر أراس ومن الاضرحة المهمة ضريح حكيمة اخت الامام الرضا عليها السلام. وفي القرنين التاسع عشر وأوائل العشرين، ظهرت الكثير من العمارة المتميزة، لكن أنشئت مساكن متميزة في باكو ومناطق أخرى. من بين الآثار المعمارية الأخيرة، يشتهر مترو الأنفاق في باكو بالتصميم الفخم.
كلمات عربية
اما اهل العاصمة فهم يبدون فى ازهى الملابس الانيقة بلمسة شتوية وتحمل لغتهم كثير من الكلمات العربية مثل " نظر- بلى - – تعليمات – اكرام – ارشاد " - جاي – شكر .
الحرص على الجمال والمنظر الفني ايضا في اللوحات التي تغطى اعمال البناء والتطوير حتى لا تؤذى عين الزائر والناس بمناظر فوضوية ويبدو ان هناك تقارب مع الثقافة التركية والروسية والعربية والقوقازية بالطبع وهي الاصل فهناك تماثيل لأبطال اتراك في التاريخ وهناك الكثير من الناس يتحدثون الروسية الى جانب الاهتمام بدراسة اللغة العربية في معهد الاستشراق.
وكما عرفت من أصدقائي الاذربيجانيين او الأذريين – اختصارا – عدد سكان اذربيجان لم يتجاوز نحو 9 مليون ونصف نسمة لكن هذا العدد كاف لعدم الاستعانة بأي عمالة او مهارات وتخصصات نادرة من بلاد اخرى فأهل البلد يتقنون كل المهن والمهارات.
ويبدو ان هذا البلد يقدس الادب والشعر خاصة مع وجود متاحف للشعراء أبرزها متحف نظامي للأدب وشكل المتحف وزخارفه من الخارج تدل على الحضارة الشرقية والاسلامية.
بالطبع لا يفوت أي زائر للعاصمة الآذرية باكو التجول في ساحة " ازنفط " التي جاء اسمها تيمنا بشركة " ازنفط " التاريخية .
لاشك ان سكان اذربيجان يتسمون بالكرم في الضيافة فهم يساعدونك ويرشدونك اذا اردت الاستفسار عن أي شيء حتى لو لم تفهم لغتهم وحتى اسماء الناس تبدو تاريخية وجميلة وعربية واسلامية مثل " هداية " و" سليمان " وابراهيم واسماعيل لكن بعض الاسماء تذكرك بملحمة "الف ليلة وليلة " مثل " يشار " و" شهريار " ومن الاسماء القوية " شاهين " .
في باكو سترى كثير من القلاع والمتاحف التاريخية والحدائق مثل وقاعة اوركسترا باكو وبرج "مايدن" في باكو القديمة ويعد من مواقع التراث العالمي على قائمة اليونسكو اضافة لمتحف السجاد واتى يمكن الوصول اليها بسهولة عبر مترو الانفاق الذى تأخذ محطاته الشكل التاريخي. السجاد بالطبع يعد رمزا لأذربيجان وحرفة وفن تتداوله الاجيال .
استقلال وبناء دولة
في الثامن عشر من تشرين الاول لعام 1991، عُقدت الجلسة التاريخية للمجلس الأعلى لجمهورية أذربيجان، تلك الجلسة التي عكست تطلعات الشعب الآذرى نحو الحرية التي طال انتظارها، والذى دل عليها الاعتماد بالإجماع للقانون الدستوري "حول استقلال جمهورية أذربيجان". إن الاختيار الواعي لشعب أذربيجان بالتحرر عن الاتحاد السوفيتي، قد مهد الطريق نحو استعادة استقلال جمهورية أذربيجان، باعتبارها الخليف الشرعي لجمهورية أذربيجان الديمقراطية، التي كانت - رغم قصر فترة وجودها الذى استمر خلال الأعوام من 1918 حتى 1920- أول جمهورية ديمقراطية في الشرق الأوسط بأسره.
وفى إطار من الأوهام القائمة تحت ضغط المشاكل المتأصلة في الأيام الأولى لاستقلال أذربيجان، وبدرجة بدت معقولة للغاية، تبنى البعض وجهة النظر التي تشكك في قدرة أذربيجان على تجاوز المشاكل الجيوبولوتيكية الإقليمية المعقدة بنجاح، وترسيخ الاستقرار الداخلي، وحل قضية الانكماش المالي والاقتصادي، وتجاوز عواقب العدوان الأرميني. ولكن مع عودة حيدر علييف للقيادة السياسية استجابة للنداء الملح لشعبه استطاعت أذربيجان أن تثبت خطأ المشككين في قدراتها، وأيضا تجاوزها لتحديات الأمن القومي الكبرى، والنجاح في الحفاظ على الاستقلال الذي جرى نيله بصعوبة، وذلك من خلال ضمانات الاستقرار السياسي والتطور الديمقراطي وتحقيق الرفاهية والازدهار الاجتماعي، على الرغم من الفترة الزمنية القصيرة للغاية لتلك المرحلة.
وانطلاقا من الإرادة والرغبة الشعبية، وباعتبارها مهمة ذات أولوية، فإن أذربيجان بقيادة حيدر علييف قد مضت في مسار من التطور الديمقراطي لا رجعة فيه وأخذت في التكامل في المحيط الأوروبي الشرقي.
التحول الى اقتصاد السوق
وبالتوازي مع الإصلاحات الديمقراطية، فقد تم قطع خطوات واسعة للتحول الاقتصادي الهائل نحو اقتصاد السوق، وتطوير السياسات الاستراتيجية النفطية الجديدة لأذربيجان. وترتكز السياسات الاستراتيجية النفطية الجديدة إلى الشراكة المستدامة، والمصداقية، والتنوع، والشفافية والمصارحة، والتي بلغت ذروتها بالتوقيع على "عقد القرن" الذى بلغ قيمته 50 مليار دولار أمريكي، وذلك بين جمهورية أذربيجان وشركات النفط العالمية في عام 1994. وحاليا، فإن أذربيجان بخطوط أنابيبها السبعة العاملة للنفط والغاز، تقدم إسهامها الملموس في توفير الأمن والتنوع لأسواق الطاقة العالمية.
واحتفلت جمهورية أذربيجان قبل ايام بمرور20 عاما على توقيع اتفاقية العصر على استخراج النفط والغاز، وخلال هذه المرحلة أذربيجان أحرزت نجاحات كبيرة في تحقيق استخراج النفط والغاز وفي التوصيل إلى الأسواق الدولية من خلال أنابيب النفط - باكو ونوفوروسيسك (أذربيجان - روسيا) عام 1996، وباكو وسوبسا (أذربيجان - جورجيا) عام 1997 وباكو – تبليسي – جيهان (أذربيجان- جورجيا - تركيا) عام 2006 إلى جانب خطوط انابيب الغاز التصديرية الرئيسية باكو- تبليسي- أرزروم (أذربيجان- جورجيا - تركيا) عام 2007. والجدير بالذكر هنا أنه تم وضع الحجر الأساسي لممر الغاز "الجنوبي" في العشرين من ايلول لعام 2014 في مدينة باكو بمشاركة قادة الدول والحكومات. وستقوم أذربيجان من خلال هذا المشروع بنقل غازها الطبيعي إلى جورجيا وتركيا واليونان ومنها إلى بلغاريا وألبانيا وإيطاليا ونتيجة لعملية الدمقرطة الثابتة والإصلاحات الاقتصادية المتواصلة والإدارة الحكيمة لعوائد النفط والغاز، فقد تحولت أذربيجان بعد مرور ثلاث وعشرين عاما من الاستقلال من دولة متلقية للمعونات إلى دولة مانحة، كما تجاوز الاحتياطي النقدي الأجنبي 53 مليار دولارا أمريكيا ومازال طامحا للزيادة، واستقر الاقتصاد الأذربيجاني في المركز الـ38 حسب مؤشر التنافسية العالمية في تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي. وتضع الحكومة نصب أعينها الوصول إلى مرتبة الدول المتطورة في منتصف عام 2020، باعتباره هدفا واقعيا لتحقيقه.
وما تلعبه أذربيجان في المحافل الدولية يمكن القول بأن جمهورية أذربيجان عضو فعال في العديد من المنظمات الإقليمية والدولية، والتي تمتد من منظمة الأمم المتحدة وحركة عدم الانحياز، ومنظمة التعاون الإسلامي، إلى منظمة الأمن والتعاون الأوروبية ومنظمة التعاون الاقتصادي، والمجلس الأوروبي وغيرها. فى كل الأحوال أذربيجان تتطلع دوما نحو السبل التي تزيد من فاعلية هذه المنظمات .
العلاقات العربية الآذرية
وعلى ضوء المتغيرات المتسارعة الجارية في المنطقة العربية، فإن أواصر العلاقات التاريخية مع العالم العربي والإسلامي والتي تتمتع بطبيعة الحال بالأولوية في إطار السياسة الخارجية لأذربيجان، تفتح أمامنا فرصا جديدة لتعزيز آليات الشراكة القوية مع بلدان المنطقة وخصوصا مع العراق من خلال زيارة المسؤولين للبلدين وتوقيعهم على عدة اتفاقيات مشتركة سهلت فتح المجال على التبادل التجاري وفتح افاق جديدة للسياحة الدينية.
ارمينيا واغتصابها للأراضي الآذرية
إن أذربيجان بوصفها دولة عانت احتلال أراضيها، وتهجير مئات الآلاف من مواطنيها بالقوة، لا يمكنها التراجع عن مواقفها الثابتة إزاء الانتهاكات الممنهجة للمعايير الأساسية لقواعد القانون الدولي. وفى هذا الصدد، فإن النزاع بين أرمينيا وأذربيجان ما زال مستمرا، ويمثل تهديدا وتحديا خطيرا للسلم والأمن على الصعيدين الإقليمي والدولي، كما يعيق تحقيق التطور الإقليمي بكامل قدراته في جنوب بحر قزوين. وقد أسفر النزاع عن احتلال حوالي عشرين بالمائة من أراضي أذربيجان، وتحول أكثر من مليون فرد في البلاد إلى نازح داخلي أو لاجئ. ولم يسلم أثر تاريخي أو ثقافي أذربيجاني؛ بما فيها المواقع الإسلامية التراثية؛ من التخريب أو الدمار، كما لم يسلم موقع مقدس من التدنيس في الأراضي سواء في الأراضي التي احتلتها أرمينيا أو في الأراضي الأرمينية نفسها.
ونحن على يقين راسخ بأنه لا يوجد بديل عن السلم والاستقرار والتعاون الإقليمي ذو المنفعة المتبادلة. ذلك دون المساس بالحقوق المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، لا سيما تلك المنصوص عليها في المادة 51، فإن أذربيجان كانت ومازالت ملتزمة بإيجاد تسوية إزاء عملية النزاع، وهي على ثقة بأن هدفها هو وضع حد للاحتلال الأرميني غير الشرعي واستعادة سيادة ووحدة أراضي أذربيجان. "