سياسة
بوتين لوكالة أذرتاج: علاقات روسيا وأذربيجان لها طابع الشراكة الاستراتيجية
باكو، 5 أغسطس، أذرتاج
مقابلة صحفية خصها رئيس الاتحاد الروسي فلاديمير بوتين بوكالة أنباء أذربيجان الحكومية / أذرتاج / تناول فيها طيفا واسعا من العلاقات الثنائية ومتعددة الأطراف التي تشارك فيها ايران وبلدان الخليج والشرق الأوسط.
أذرتاج: كيف تقيّم المستوى الحالي للعلاقات الثنائية الأذربيجانية الروسية وآفاق المزيد من تعميقها؟
الرئيس الروسي: للعلاقات الروسية الأذربيجانية طابع الشراكة الاستراتيجية. وتشكل أساس هذه العلاقات تقاليد الصداقة القديمة وحسن الجوار وتساوي الحقوق والاحترام بمصالح بعضهما بعضا والتاريخ والثقافة المشتركان ومصائر مندمجة ومنصهرة لملايين من الناس.
إن العلاقات المعتمدة على الثقة المتبادلة بين رئيسي البلدين والحكومتين والبرلمانين تتطور على مثل هذه القاعدة المتينة. ويتعمق التعاون المثمر المتبادل في مجالات التجارة والاقتصاد والاستثمار والطاقة والبنية التحتية النقلية وصناعة السيارات والصحة.
وأود أن أشير إلى واقع آخر وهو أن الشراكة بين أقاليم البلدين ارتفعت إلى مستوى اعلى جدا حيث تحقق 17 كيانا للاتحاد الروسي اتفاقيات التعاون التجاري الاقتصادي والعلمي والفني والثقافي مع شركائها في أذربيجان. وللمؤسسات والشركات التابعة لأكثر من 70 إقليما روسيا علاقات تجارية خارجية مع أذربيجان.
ونتعاون في جنوب القوقاز تعاونا متبادلا مكثفا في اطر رابطة الدول المستقلة والمحافل الدولية الرائدة. ونرى إمكانيات مهمة لتعميق التعاون في بحر الخزر وذلك في اطار "خماسية بحر الخزر" التي تضم روسيا وأذربيجان وايران وكازاخستان وتركمانستان وفي الشراكة الثلاثية التي أخذت في التشكل بمشاركة ايران وذلك بالدرجة الأولى. وأما العلاقات الإنسانية فتلعب دورا مهما في توطيد علاقات الصداقة وحسن الجوار أيضا. ويمكنني أن اضرب مثلا أن فاعلية العلاقات في مجال التعليم ما زالت ترتفع وذلك من خلال تعلم حوالي 15 الف طالب وطالبة من أذربيجان في روسيا مقابل فعاليات ناجحة لفروع المؤسسات التعليمية العالية الروسية في أذربيجان.
كما أن مشروعنا المشترك منتدى باكو الإنساني الدولي المقام تحت إشراف الرئيسين الروسي والأذربيجاني يبدي أهميته لمناقشة المشاكل الملحة للعصر الحديث وكونَه مطلوبا. وقد تحول هذا المنتدى خلال فترة قصيرة نسبيا منذ عام 2011م إلى حدث مهم للحياة الاجتماعي الإقليمي والدولي. ونتهيأ الآن مع زملائنا الأذربيجانيين لاجتماع خامس مرتقب في شهر سبتمبر المقبل هذا العام.
وإنني على يقين من أن مواصلة التطور المستدام للعلاقات الروسية الأذربيجانية لها بالغ الأهمية من اجل الحفاظ على الاستقرار الإقليمي والأمن الدولي ودعم السلام والتفاهم في جنوب القوقاز وتحقق المصالح الرئيسية لشعبينا.
أذرتاج: إن الأزمة العالمية قد أثرت في حجم التجارة الموجودة بين أذربيجان وروسيا تأثيرا خفض حجمها. وقد سبق أنك قد أشارت إلى ذلك في شهر يونيو في مدينة سانت بطرسبورغ أثناء الاجتماع المنعقد مع الرئيس الأذربيجاني الهام علييف أيضا. فما رأيك، ما هو مطلوب تنفيذه لأجل تحفيز وتشجيع التعاون الاقتصادي القائم بين البلدين ككل بما فيه زيادة تبادل البضائع والسلع والشراكة الصنعية والاستثمار المتبادل؟
الرئيس الروسي: إن الظروف المقعدة وغير المناسبة للاقتصاد العالمي قد أثرت في علاقاتنا التجارية حقا. ومع ذلك، إن أذربيجان تحتل المركز الخامس عقب بلاروس وكازاخستان وأوكرانيا وأوزبكستان في التجارة الخارجية الروسية مع بلدان رابطة الدول المستقلة. وأما روسيا فيتصدر قائمة البلاد المصدرة البضائع الأذربيجانية.
كما تشير معطيات جهاز الجمارك الاتحادي الروسي إلى أن تبادل البضائع بين روسيا وأذربيجان عام 2015م انخفض بنسبة 30 في المائة ليتدنى إلى 2.8 ملياري دولار مقابل 4 مليارات دولار عام 2014م. ولم نتمكن هذا العام من تحقيق انحراف في الأوضاع حيث أن حجم تبادل البضائع حسب نتائج أشهر يناير إلى مايو بقي عند 568.5 مليون دولار وهذا اقل بنسبة 52.8 في المائة قياسا إلى الفترة نفسها من عام 2015م.
ونرى أن بيع المنتجات الزراعية الأذربيجانية المطلوبة في أسواق روسيا وكذلك زيادة تصدير الأسمدة والمعدات الزراعية من روسيا إلى أذربيجان التي تحتاج إلى ذلك من اجل توسيع الحقول الزراعية قد يلعب دورا مهما في توسيع التجارة المتبادلة أيضا.
ونعتقد أن جميع الخطط الرامية إلى إرسال معدات السكك الحديدية إلى أذربيجان من قبل شركة "اورال واغون زاوود" لانشاء عربات القطار وإنشاء ناقلتين اثنتين من قبل مصنع السفن "كراسنوي سورموفو" لشركة ملاحة أذربيجان في بحر الخزر وتوصيلهما وتنظيم إنتاج مشترك للمنتجات الصيدلية في أذربيجان بمشاركة مجموعة شركات "ار فارم" الروسية سيلقى تنفيذا كاملا.
كما أن توسيع التجارة المتبادلة للخدمات في مجالات النقل والمالية والتأمين والاتصالات والثقافة والترفيه والاستراحة قادر على أن يشكل جانبا مهما آخر لتطوير العلاقات التجارية الاقتصادية. ولان هذه المجالات تضيف حاليا إلى المؤشر العام لتبادل البضائع بين البلدين نحو 20 في المائة او ما يقارب 0.5 مليار دولار.
وهناك آفاق جديدة تنفتح لأجل استخدام كامل القيم من إمكانات الترانزيت الروسية والأذربيجانية بالأخذ بعين الاعتبار ربط خطوط السكك الحديدية الإيرانية والأذربيجانية في اطار ممر النقل الدولية الشمال والجنوب.
كما نجد من المهم تطوير الفعاليات المتبادلة بين الأوساط التجارية للبلدين في اطار مجلس التجارة الروسي الأذربيجانية المنظم لدى غرفة روسيا للتجارة والصناعة. ونعول على إنشاء مثل المؤسسة في أذربيجان أيضا.
وفي ظل انخفاض حجم تبادل البضائع ما زال تعاون الدولتين في مجال الاستثمار تعاونا ثابتا ومستقرا. وتعمل اليوم حوالي 600 شركة روسيا بما فيه قرابة 200 شركة روسية عاملة بالرأسمال الروسي الكامل في أسواق أذربيجان فيما يبلغ الاستثمار المباشر الروسي في أذربيجان 1.4 مليار دولار.
وتجري المحاسبات المتبادلة في الوقت الحاضر بين شركات البلدين بالدولار ونحن قائمين بمواصلة العمل الرامي إلى تكوين ظروف من شأنها تحفيز وتشجيع نقل المحاسبات المتبادلة بين هذه الشركات إلى العملتين الوطنيتين.
ولا شك في أن الحالات السلبية الراهنة في العلاقات التجارية الاقتصادية الثنائية تحمل طابعا مؤقتا. ونحن وطيدو الثقة في أننا نستطيع تحويل التجارة المتبادلة إلى مسار النمو المستدام من خلال فعاليات متبادلة مكثفة على غرار الشريكين الموثوق بهما.
أذرتاج: وبدأت صيغة تعاون إقليمي بين أذربيجان وايران وروسيا كتكوّن تكاملي جديد ويعد مشروع ممر النقل الشمال والجنوب محورا لهذه الفعالية المتبادلة ثلاثية الأطراف فما رأيك ما هي مجالات تقدر على جعل تعاون البلدان الثلاثة بمشاريعها أن يكون ذلك التعاون قابلا للحياة والثمار؟ إن العلاقات على المستوى الثلاثي الأطراف هل هي قادرة على تقديم دعم لإزالة التناقضات الموجودة مثلا في تقاسم بحر الخزر وما يخص باستخدام المورد البيولوجية والطاقة من ذلك البحر؟
الرئيس الروسي: بدعوة من الرئيس الأذربيجاني الهام حيدر علييف سنجتمع في باكو في الثامن من أغسطس الجاري على مستوى رؤساء الدول الثلاث ولأول مرة من اجل مناقشة آفاق تطوير التعاون طويل الأجل المتبادل المثمر في مختلف المجالات ابتداء من العلاقات الاقتصادية والإنسانية حتى قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب.
وستتمحور مباحثاتنا على المشروع الرئيسي ممر النقل الدولي الشمال الجنوب البالغ طوله العمومي 7200 كم وهذا المشروع موجه إلى تكوين ظروف وإمكانات أحسن لأجل نقل شحنات الترانزيت من الهند والايران وبلدان الخليج إلى أراضي أذربيجان وروسيا ثم إلى أوروبا الشمالية والغربية.
وجدير بالذكر أن نتائج عام 2015م تدل على أن حجم نقل الشحن من خلال ممر النقل الدولي الشمال الجنوب بمشاركة شركة "سكة روسيا الحديدية" بلغ 7.3 ملايين طن. وهذا أكثر بنسبة 4.1 في المائة او 0.3 مليون طن من المؤشر نفسه لعام 2014م.
إن تحقيق المشاريع الاستثمارية الاستراتيجية في مجالي الطاقة والبنية التحتية النقلية اتجاهات واعة أخرى للفعاليات المتبادلة أيضا. هناك إمكانات حسنة لتجارة الخدمات ومن جملتها توسيعها في مجالات السياحة والصحة والتعليم.
ومعلوم أن الحوار ثلاثي الأطراف سيكون له جزء مركب باسم "بحر الخزر" أيضا. ومن المعلوم أن البلاد المطلة على بحر الخزر قد نالت تقدما ملحوظا في السنوات الأخيرة في مختلف جوانب التعاون في بحر الخزر بما فيه استخدام الموارد البيولوجية والطاقة له وتحقيق المسائل الخاصة بهذه المجالات. وتم توقيع الاتفاقات المناسبة التي تتحقق بنجاح حاليا. كما أن العمل على اتفاقية رئيسية على صفة قانونية لبحر الخزر على وسك الانتهاء أيضا.
أذرتاج: إن كثافة العلاقات المتبادلة بين موسكو وطهران ازدادت ازديادا جسيما بعد اتخاذ قرار بشأن تسوية الأوضاع الخاصة ببرنامج إيران النووي. وأما إيران فهي بدورها تحاول لعب دور افعل في المنطقة ومن ضمنها تسعى إلى رفع صفتها لدى منظمة شانغهاي للتعاون. فكيف تجد آفاق التعاون الروسي الإيراني؟
الرئيس الروسي: إن إيران شريك قديم لروسيا. ونثق في أن انخفاض التوتر حول إيران عقب الاتفاقية الشاملة على برنامج إيران النووي سيخدم لصالح العلاقات الثنائية. ونقصد بالدرجة الأولى مواصلة توسيع التعاون اتجاري الاقتصادي. وقد تيقنتُ خلال زيارتي طهران في 23 نوفمبر من العام الماضي أثناء مباحثات مع المرشد الديني الأعلى الإيراني علي خامنئي وكذلك مع الرئيس الإيراني حسن روحاني من أن القيادة الإيرانية شريكة في الحقيقة في هذا الموقف.
وعلى سبيل المثال، قد توصلنا إلى زيادة حجم التجارة المتبادلة عبر جهود مشتركة. وبلغ حجم التجارة حسب نتائج الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري 855 مليون دولار على التخمين بزيادة 70 في المائة.
إن التعاون الروسي الإيراني يحمل الآن طابعا استراتيجيا في عدد من المجالات. ويخص هذا قبل كل شيء بالعمل المشترك في مجال "الذرة السلمية". وقد تم إنشاء أول محطة كهروذرية "بوشهر" على أساس التكنولوجيا الروسية في إيران. وتم التوصل إلى الاتفاق على خطط ترمي إلى إنشاء 8 وحدات طاقة أخرى من قبل متخصصين روس في إيران.
وسنواصل المساندة إلى الشركاء الإيرانيين في تنفيذ خطة النشاط في برنامج ايران النووي ومن ضمنها تكرير اليورانيوم المخصبة وتبديل تشكيلات القوى الإنتاجية لتوجيهها إلى إنتاج النظائر المستقرة أيضا.
وهناك مشاريع مشتركة ضخمة قيد الإعداد في مجالات النفط والغاز والفضاء والطاقة الكهربائية. وينوي روسيا على سبيل المثال، منح ايران قرضين حكوميين اثنين يبلغ حجميهما 2.2 ملياري أورو لتمويل إنشاء محطة كهروحرارية بالقرب من مدينة بندر عباس عند شاطئ الخليج وكهربة مساحة خط السكك الحديدية غارمسار - اينجة بورون شمال شرقي ايران.
وقد يعطي إنشاء منطقة تجارية حرة بين الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي وايران دفعة قوية للعلاقات الروسية الإيرانية في التجارة والاستثمار. وسبق أن بدأ فريق الدراسة المشترك أعماله لدراسة مفصلة لمعايير اتفاق محتمل.
وإننا نحرص كذلك على تعزيز علاقات الشراكة المتبادلة مع طهران في المسائل الإقليمية حيث نجد هذا عاملا مهما للحفاظ على الاستقرار والأمن على مساحة واسعة من اسيا المركزية وبحر الخزر إلى الشرق الأوسط. وسنواصل دعم مساعي ايران إلى نيل عضوية كاملة الحقوق لدى منظمة شانغهاي للتعاون أيضا.
أذرتاج: من الملاحظة في الأزمنة الأخيرة زيادة الإرهاب والعنف والتعسف إلى درجة غير مسبوقة بالقرب من حدود البلدين وعبر العالم عامة. فما رأيك، ما هو يمكن تنفيذه من قبل أذربيجان وروسيا وايران معا من اجل مكافحة التهديدات وضمان الأمن العام؟
الرئيس الروسي: طبعا، نشعر بقلق عميق بوجود مركزي عدم الاستقرار الاثنين الكبيرين مثل أفغانستان والشرق الأوسط بالقرب مباشرا من حدود روسيا وأذربيجان وايران. حيث يطرأ في مثل هذه المنطقة بالدرجة الأولى خطورة تدفق المخدرات وتهريب الأسلحة والإرهاب والجرائم العابرة للحدود في ظل زيادة حالات تنقل المسلحين.
وأشدد خاصة على أن وقوع الهجمات الإرهابية المرتكبة بمختلف الأقاليم العالمية مؤخرا يدل مرة أخرى على أن الإرهاب ينبغي لنا أن نكافحه معا ومشتركا بناء على معايير ومبادئ القانون الدولي مع لعب الأمم المتحدة دورا منسقا. ولا يجوز أن تكون هنا ازدواجية المعايير مثلما لا يجوز تقسيم الإرهابيين إلى "إرهابي حسن" و"إرهابي سيئ". البتة، من المرفوض كاملا السعي إلى استغلال جماعات إرهابية ومتطرفة ومتشددة من اجل مصالح سياسية وجيوسياسية وهذا امر خطير للغاية.
إن بلدينا يشيران بالتأكيد إلى هذه المبادئ في اطار المجتمع الدولي سعيا منهما إلى توسيع وتوطيد التعاون متعدد الجوانب من خلال قنوات أجهزة إنفاذ القانون والمخابرات الخاصة من جهة وعن طريق المستوى السياسي من جهة أخرى.
ويمكننا القول اليوم حول إنشاء روسيا وأذربيجان وايران حوارا مكثفا في هذا المجال، حيث اننا نتعاون مع باكو في اطار مركز مكافحة الإرهاب لرابطة الدول المستقلة وكذلك على أساس الفعاليات الثنائية المتبادلة. كما هناك اقتراب في مواقفنا مع طهران في المواقف المهمة. كما نجد إمكانات إضافية في تعميق التعاون لمكافحة الإرهاب متعدد الجوانب عبر منظمة شانغهاي للتعاون.
ونجري بالتعاون مع شركائنا في ايران عملية خاصة باسم "بحر الخزر النظيف" بغية قطع قنوات النقل لتهريب المخدرات. وهناك إمكانات واعدة لمنتدى "خماسية بحر الخزر المعادية للمخدرات" أيضا. واعتقد أن هناك إمكانات جيدة من اجل توسيع الفعاليات المشتركة ضد الإرهاب والمخدرات في الصيغة الثلاثية.
أذرتاج: قد كثف روسيا في الأزمنة الأخيرة جهوده للوساطة في معالجة نزاع قراباغ الجبلي. ويعرف الجميع ان سبب إعادة بناء نظام وقف اطلاق النار عند خط الجبهة يرجع إلى وساطة روسيا بعد ان تفاهم حدة التوتر في شهر أبريل. كما اصبح روسيا مبادرا بعقد اجتماع في سانت بطرسبورغ بين رئيسي أذربيجان وأرمينيا وصفه الطرفان بمثمر ومفيد. وهناك فكرة تعني أن روسيا هو الذي يستطيع لعب دور حاسم نهائي من اجل فتح عقدة قراباغ. فهل توافق؟
الرئيس الروسي: تربط روسيا بأذربيجان وأرمينيا جذور تاريخية عميقة وعلاقات استراتيجية وتقارب جغرافي. فلذلك، نحرص حقا على استئناف السلام والاستقرار في المنطقة المجاورة ولا يقتل الناس ولتفتح الحدود وأن يعاد بناء العلاقات الاقتصادية.
وننفذ كل ما هو ممكن من اجل ذلك. ويجب أن اذكّر أن اتفاقية وقف اطلاق النار موقع عليها في مايو 1994م بمساندة مباشرة من روسيا وما زالت هذه الاتفاقية تشكل أساس نظام وقف اطلاق النار حتى اليوم. وقد أتى تبني بيان موسكو عام 2008م مرحلة مهمة أيضا. وتصدق الوثيقة على أن تسوية النزاع لا سبيل إليها الا عن طريق سياسي. وبالمناسبة، هذه هي الوثيقة الأولى والوحيدة حتى الآن التي وقع عليها رئيسا أذربيجان وأرمينيا بشأن تسوية نزاع قراباغ الجبلي. وقد لعب روسيا دورا حاسما أيضا في وقف العمليات القتالية واسعة النطاق مطلع شهر أبريل للعام الجاري.
وأود أن أشير خاصة إلى أننا لا نسعى على الإطلاق إلى إملاء مواصلات جاهزة أيا كان على أذربيجان وأرمينيا. وعلى الطرفين أن يتوصلا إلى اتفاق نفساهما بدون أي ضغط من الخارج للتمكن من إيجاد سبل حل مقبول متبادل. وهذا هو موقفنا القاطع.
إن التوصل إلى حل وسطي يقضي بإيجاد توازن احسن بين مبدأي سلامة الأراضي وحق الشعوب في تقرير المصير. إننا ندرك مدى مسؤولية عظيمة تقع على قيادتي أذربيجان وأرمينيا. ونرحب بجو بناء خيّم على القمة الأخيرة المنعقدة في سانت بطرسبورغ في 20 يونيو 2016م في تسوية النزاع.
ومن المقبول أن يكون الغرض النهائي للتسوية أن لا يعد أي من الطرفين غالبا او مغلوبا وذلك من خلال تنازلات متبادلة مع كون أرباح الطرفين واضحة على الرأي العام سواء في أذربيجان او في أرمينيا.
وأما روسيا فهو بدوره مستعد للانطلاق من موقف داعم لنسخة حل يرضي جميع الأطراف المجلوبة إلى حل المشكلة ومن موقف ضامن للتسوية المشتركة مع الوسطاء الأخرى.
وأريد أن أتناول موضوعا اخر وهو أن هناك من يقول إن روسيا يسعى إلى احتكار الفعاليات الخاصة بتسوية نزاع قراباغ الجبلي والى إبعاد الوسطاء الأخرى عن العملية. إن هذا تصور خاطئ. لان القمم ثلاثية الأطراف في موضوع قراباغ بمشاركة الرئيس الروسي وتعدادها اكثر من 20 قمة تتمم إتماما عضويا جهود مجموعة منسك التي يرأسها الرؤساء المشاركون لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا. ويجب أن اذكر أيضا أن قمة سانت بطرسبورغ المذكورة أعلاه قد حضر مرحلتها النهائية ممثلون عن الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا أيضا.
كما حضر وزير الخارجية الروسي سرغي فيكتور لافروف وأمين الدولة الفرنسي لشؤون أوروبا بالخارجية الفرنسية ارلم ديزير تلبية للدعوة لقاءَ الهام حيدر علييف وسيرج ازاتوفيج ساركيسيان المنعقد في 16 مايو في فيينا بمبادرة الولايات المتحدة الأمريكية أيضا.
ولا ريب في أن مثل هذا الموقف يشكل نموذجا لكيفية العمل في حل النزاعات الدولية مع انه يدل على كونه ضروريا. وأعول على اننا نستطيع تقديم مساعدة للجهود المشتركة الرامية إلى توصل الطرفين إلى حل يرضي الجميع.