سياسة
استنتاج محللين دوليين: هل تسعى روسيا وأمريكا وفرنسا وإيران إلى صد أذربيجان عن تحرير أراضيها المحتلة؟
باكو، 3 فبراير، أذرتاج
يعترف الجميع بأن صراع قراباغ الجبلي القائم بين أرمينيا وأذربيجان يؤثر سلبيا للغاية على الحركي الجيوسياسي بجنوب القوقاز وعدم معالجة المشكلة يزيد من النكرة والغموض. وكان من المتوقع أن الدول المندوبة المشاركة في رئاسة مجموعة منسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي ستتخذ خطوات فاعلية ومثمرة لمعالجة عادلة للصراع عام 2018م ولكن عددا من المقالات المحللة نشر لدى وسائل الإعلام الجماهيرية الغربية والروسية منذ مطلع الشهر الأول من العام المستهل يلمح إلى غياب مثل هذه الأحوال المتفائلة. وبالعكس، يؤكد على محاولتها الحفاظ على الوضع الموجود ومنع اتخاذ طرفي الصراع خطوات حاسمة. وبالقول الملموس والواضح فإنها ستسعى إلى تقديم عدم تغيير الوضع الراهن بدلا من التركيز على حل النزاع. طبعا، هذا يفيد إفادة غير مباشرة تقديم دعم للمعتدي المحتل. وآخذا بعين الاعتبار مثل هذه النقاط، يكسب تحليل تطورات محتملة متعلقة بصراع قراباغ الجبلي خلال عام 2018م بأهمية ملحة.
الصراع المشتد حدة: هل يمكن «تجميده»؟
لا يفوت الاهتمام كتابة محللين غربيين وروس في الآونة الأخيرة مقالات كتابة كثيرة بشأن نزاع قراباغ الجبلي حيث يسعى مؤلفوها إلى تقديم تنبؤات مختلفة بجانب تسليط أضواء على تاريخ المشكلة والوضع الحالي لها. وأفكارهم وآراءهم مثيرة للاهتمام طبعا، لأنهم أخذوا منذ فترة في كتابة عدد من الأفكار والآراء بصورة أوضح وأجلى وهي لم تكتب أو لم تطرح حتى الآن من جانبهم فما سبب نشوب مثل هذه الظروف؟
ومن الممكن هنا أن نأخذ بصفة عامل رئيسي اكتساب التطورات في الجيوسياسية العالمية بظلال موضوعية جديدة تدريجيا وخاصة أن الأحداث الجارية في الشرق الأوسط تشير إلى أن الأوضاع في العالم غير مرهونة مطلقا على إرادة الأعضاء الخمس الدائمة لمجلس الأمن الدولي دوما. وهناك قوى هي قادرة على إدراج تعديلات وتصحيحات في منطق ما يحدث وعلى سبيل المثال، تركيا أو إيران أو السعودية ولا نتحدث الآن عن إسرائيل.
وجانب آخر، مربوط كذلك بتحول صراع قراباغ الجبلي القائم بين أرمينيا وأذربيجان الموجود منذ الأمد الطويل لدى جنوب القوقاز قد تحول إلى تهديد وخطر على فضاء جيوسياسي أوسع أيضا، حيث انه قد يثير مشكلات جيوسياسية خطيرة على آسيا الوسطى وروسيا والصين وإيران وتركيا بالإضافة إلى أوروبا أيضا.
وفي نهاية المطاف، فإن القوى الرائدة العالمية، كما يبدو، تباشر إضفاء صفة ملموسة على دائرة نفوذ جيوسياسية بجنوب القوقاز وفي هذا السياق، لمصير صراع قراباغ الجبلي أهمية جادة. ليس من باب الصدفة أن جميع المقالات المحللة المكرسة لهذه المسألة في الآونة الأخيرة يبرز بين سطورها هذه النقطة خصوصا وطبعا، هذا لا يعني نسيان غيره من العوامل المهمة أيضا.
وفي ظل كل هذه، من المثير للاهتمام ما هي تنبؤات يعبر عنها بشأن نزاع قراباغ الجبلي خلال عام 2018م في تلك المقالات المنشورة لدى صحافة الغرب وروسيا. وينبغي لنا أن نعترف بان الأحوال الجيوسياسية الملحة في منطقتنا يعترف بها الجميع وفي الوقت ذاته، ينظر كل إلى التطورات هنا ليس من زاوية الشعوب المحلية بل من وجهة نظر مصالح أنفسهم أكثر. كما يبرز نفسَه اختلافُ الآراء في هذه القضية بين الغرب وروسيا وإيران بروزا أوضح. ولكنه من المثير للتفكير والتدبر أيضا أن هناك نقاط عامة ومبدئية تنطبق فيها مصالح تلك القوى وهي ما تشدد عليها هن بتشديد واضح.
وبين تلك النقاط الهامة الحفاظ على الوضع الراهن وتطلق هن علي هذا اسم عدم تغيير الوضع الراهن بالإجماع وكذلك التأكيد على استمرار رئيسي أذربيجان وأرمينيا مباحثات مريحة دون وقوع أي حادث كما في المصدرين الآتيين على سبيل المثال: (Nagorno-Karabakh’s Gathering War Clouds / The International Crisis Group, Report 244, 1 يونيو 2017 və Сергей Маркедонов. Нагорный Карабах – 2018: война, мир или балансирование на грани? / РСМД, 17 يناير 2018)
وفي هذا السياق، تستلفت الدقة والاهتمام فكرة مدرجة في تقرير مجموعة الأزمات الدولية حيث جاء فيه: «... نفوذ وتأثير روسيا ما زالا عاليا على باكو ويريفان وسائر الأماكن. ولكن نشوب الوضع الدبلوماسي المشلول (بشأن نزاع قراباغ الجبلي، محرر) قد يكون ذا مخاطر كبرى وذا ثمن باهظ مع انه يدل على انتهاء فترة الوساطة المثمرة».
الوسطاء: ما هو المقصد الأساسي؟
نعم، تعتبر هذه المنظمة أن الوسطاء مارسوا حتى الآن فعاليات مثمرة وتأخيرهم إلى الخلف قد يرد رد فعل «شلل دبلوماسي» أن يكون ثمنه باهظا للغاية؟ وعلى من؟ طبعا، على الغرب وروسيا! ويستنتج مؤلفو التقرير من هذا السياق إلى انه لا حاجة إلى تغيير ما في نشاط الوسطاء في قضية قراباغ الجبلي خلال عام 2018م وينبغي لكل شيء أن يبقى على ما كان عليه. وهذا مؤداه تأدية غير مباشرة انه يجب الحفاظ على الوضع الراهن الموجود.
ونجد في آراء وتعابير موسكو تتصدر عليها هذه الفكرة. وقد شدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مرارا على أن أي تحرك حاد بمنطقة النزاع أمرٌ غير مسلم به. ومن اجل ذلك، تعد دوائر دبلوماسية سواء في الغرب أم في روسيا أن منطقة الصراع يجب تشديد مراقبة منظمة الأمن والتعاون الأوروبي عليها مع تنظيم نظام مراقبة جديد لأجل عدم ظهور عمليات حربية. ويشدد محللون غربيون وروس إثر ذلك على أن تغيير الوضع الراهن تهتم به أكثر أذربيجان لأنها تشعر بنسفها خاسرة.
إذن، يفكر المحللون في أن الغرب وروسيا وإيران تتفق على موقف مشترك من استمرار الوضع الحالي في قراباغ الجبلي رغم وجود مصالح جيوسياسية متفاوتة وما لها إلا أن تفعل هذا النزاع عند موعد يصلح لأنفسهم فقط. فهل يقدر طرفا النزاع بنفسيهما على تغيير جذري للأوضاع؟
ويجيب المحللون عن هذا السؤال بـ «لا» إجابة حاسمة معتمدين على 3 عوامل يطرحونها أنفسهم. وعلى سبيل المثال، يعتبر ماركيدونوف خبير مجلس القضايا الدولية الروسي أنه لا أذربيجان ولا أرمينيا تملكان إمكانية تحرك حاد مضاد لإرادة الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وفرنسا في الأوضاع الناشبة. كما أن العامل الآخر يضع شرطا مقيّدا إضافيا وهو أن روسيا والولايات المتحدة وفرنسا لا تريد تغيير الأوضاع المتوازنة حذرا بعضها من بعض بسبب اتخاذها مواقف متفاوتة من النزاع. أعني، أنها راضية إلى الآن عن بقاء النكرة والغموض الموجودة. ومن المثير للاهتمام أن ماركيدونوف يدعي بان إيران هي الأخرى تشارك في هذه الفكرة.
وفي نهاية المطاف، بصفة العامل الثالث المقيّد يطرح المحلل الروسي حجة تالية حيث يكتب انه «لا أساس يحرك لا الدول المشاركة في رئاسة مجموعة منسك ولا سائر الدول النافذة مثل تركيا وإيران نحو القيام بمساومة جيوسياسية من اجل فتح عقدة قراباغ».
وبذلك، يستنتج الخبراء إلى أن أحسن خيار لعام 2018م هو الحفاظ على «توازن حراكي» قائم في قراباغ الجبلي. ويبدو، أنها ستسعى إلى بذل كل ما في وسعها من اجل ذلك. وأما هذا فيفيد مواصلة الدول الأخرى بغياب تركيا بجانب البلدان المشاركة في رئاسة مجموعة منسك دعم المعتدي المحتل، لأن استراتيجية الحفاظ بكل ذريعة ممكنة على الوضع الراهن الموجود يعني الدفاع مباشرا عن أرمينيا وغض النظر عن احتلالها ارض أذربيجان والسعي إلى صد أذربيجان عن تحرير أراضيها المحتلة.
فتصوروا، لا نجد ولو مرة واحدة، ضرورة مراعاة قرارات مجلس الأمن الدولي وانسحاب أرمينيا من أراضي أذربيجان التي تحتلها في ما اعرب عنه محللون غربيون وروس من آرائهم وأفكارهم بصدد النزاع، ما يقودنا إلى الاستنتاج إلى أن الوسطاء لا يظلون عاطلين سلبيين خلال 2018م بل وحتى سيتمرون محاولاتهم تجميد النزاع بصورة ترضي أرمينيا أيضا.
ولئن نجد لاحقا ما يبرر هذا التنبؤ ليعني ذلك بالفعل أن البلدان المشاركة في رئاسة مجموعة منسك ستكون مهتمة ببقاء النكرة والغموض الجيوسياسية في جنوب القوقاز. وهذا يفيد بوضوح خروج الأوضاع عن السيطرة وتأييد نشوب موجة من الإرهاب على حد سواء. وبشكل ملموس، قد تقوم المنظمات الإرهابية الأرمينية بدعم ومشاركة مختلف المجموعات الأصولية الجذرية الراديكالية بأعمال تخريبية سعيا منها إلى إيقاع دول المنطقة في أوضاع حرجة صعبة. فتقع المسؤولية كلها في هذه الحالة على من يحاول الحفاظ على الوضع الراهن البتة.
وبجانب كل هذه، لا يأخذ الذين يحللون بعين الاعتبار عامل أذربيجان وسياسة باكو أخذا يليق به حيث أن قيادة أذربيجان ستواصل بذل مساعيها الحاسمة والقاطعة إلى حل النزاع حلا عادلا وهي تسترشد بمصالح قومية وطنية ومن جملتها لن يعترض أحد على خيار إخراج ودحر المحتلين الأرمن عن طريق حرب من الأراضي المحتلة في آخر لحظة.