أخبار عالمية
مصر وأذربيجان ... التقارب المطلوب
باكو، 18 مايو / أيار، أذرتاج
في خضم التوجه الذى تبنته مصر منذ ثورة الثلاثين من يونيو 2013 لبناء سياسة خارجية جديدة تنطلق من رؤى تتناسب مع تطلعات الشعب وطموحاته نحو العمل على استعادة دور مصر على الساحتين العالمية والإقليمية بعدما عانى هذا الدور من تراجع خلال السنوات الأخيرة التي سبقت الخامس والعشرين من يناير وازداد تراجعا في ظل حكم جماعة الاخوان. ومع الرؤية التي يحملها الرئيس عبد الفتاح السيسى نحو عودة التوازن في علاقات مصر الخارجية، ذلك التوازن الذى عبر عنه بوضوح زيارات الرئيس المتعددة إلى مختلف دول العالم شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، وقد حققت هذه الزيارات الكثير من أهدافها ولا يزال العمل مستمرا لاستكمال تحقيق الأهداف الأخرى.
وفى ضوء هذا المسعى المصرى الذى يقودها الرئيس عبد الفتاح السيسى، الذى أعاد للسياسة الخارجية المصرية الكثير من دوائر اهتمامها وفى مقدمتها الدائرة الافريقية، تلك الدائرة التي أصبحت في مقدمة اهتمامات ليس فقط وزارة الخارجية، وإنما تصدرت اهتمامات كافة مؤسسات الدولة وأجهزتها المختلفة، ولعل الزيارات المستمرة والمتتالية للوفود البرلمانية إلى عديد الدول الافريقية يؤكد على نجاح هذا التوجه وعودة الاهتمام بها في إطار حركة السياسة الخارجية المصرية.
وعلى ذات الشاكلة، كان تحرك الرئيس عبد الفتاح السيسى ناجحا في توجهه شرقا نحو روسيا والصين واليابان وكوريا الجنوبية، وهو ذات التوجه الذى أكد على أهمية استعادة هذه الدائرة في اهتمامات مؤسسات الدولة، بل وفى وسائل اعلامها المختلفة العامة منها والخاصة، وكذلك في اهتمام مؤسسات المجتمع المدنى المعنية.
ولا شك أن التوجه ذاته، قد انتهجه الرئيس عبد الفتاح السيسى في زيارته إلى جمهورية كازاخستان، ذلك التوجه الذى يعبر عن أن ثمة دائرة مهمة من دوائر السياسة الخارجية المصرية يسعى الرئيس الى التوجه إليها ويقصد بها دائرة منطقة دول آسيا الوسطى والقوقاز، إذ يذكر التاريخ أن ثمة تقارب كبير جمع بين مصر وهذه الجمهوريات منذ استقلالها في أوائل تسعينيات القرن المنصرم. وإذا كان الحديث يشمل جميع هذه الجمهوريات، إلا أن العلاقات المصرية الأذربيجانية تأتى في مقدمة هذا التوجه نظرا لخصوصيتها وعمقها، فبالنظر الى تاريخ تقاربهما يؤكد على عمق التعاون المصرى الاذرى وعلى ما تحظ به مصر من اهتمام كبير من جانب جمهورية أذربيجان قيادة وحكومة وشعبا.
ولكن، رغم هذا التقارب الكبير إلا أن الواقع يحتاج إلى مزيد من تعميق علاقاتهما، فليس من المعقول أن يظل حجم التبادل التجارى بينهما يتراوح نحو 4 مليارات دولار، في حين أن ثمة مجالات عدة قد تسهم في زيادة هذا الحجم إلى الضعف خاصة في ظل حاجة أسواق الطرفين كل الى الآخر، فعلى سبيل المثال تستورد أذربيجان ما قيمته 15 مليون دولار أدوية مصرية وهو أمر يمكن زيادته. كذلك الامر يبلغ حجم السياحة الخارجية الأذربيجانية نحو 4 ملايين سائح إلى كافة دول العالم سنويا، وتبلغ حصة مصر فقط حوالى 10 آلاف سائح، في حين أن السوق السياحية المصرية سوق جاذب للسائح الأذرى، إلا أنه ثمة معوقات كثيرة تحول دون ذلك وفى مقدمتها عدم وجود خط طيران مباشر بين باكو والقاهرة وهو أمر مهم لجذب المزيد من السياح، بل يمكن أن تصبح أذربيجان مصدرا غير مباشر للسياحة الروسية بل وسياحة دول المنطقة برمتها إذا ما تم تقديم التسهيلات المطلوبة في هذا الخصوص.
وما نود أن نؤكد عليه أن العلاقات المصرية الأذربيجانية تشهد اليوم مزيدا من التقارب خاصة إذا علمنا ان هناك اتفاقات تآخى بين المحافظات المصرية فى القليوبية وجنوب سيناء ومحافظات أذربيجان فى أبشرون وجبلا، وجارى الآن الإعداد لاتفاقية تآخى بين القاهرة وباكو خلال هذا العام، وهو ما يتطلب أيضا تفعيل بقية مؤسسات العمل المشترك بين البلدين وخاصة مجلس الأعمال المشترك، وجمعية الصداقة المصرية الأذربيجانية، إضافة إلى أهمية استعادة عمل لجنة الصداقة المصرية الأذربيجانية البرلمانية، إذ تعبر هذه اللجنة وبشكل واضح عن التواصل بين ممثلي الشعبين.
ولا شك أن نجاح كل هذه الجهود الرامية الى تعزيز التقارب بين البلدين يحتاج إلى دفعة قوية تتمثل في زيارات متبادلة من قيادة البلدين، إذ تنتظر أذربيجان زيارة للرئيس عبد الفتاح السيسى إلى باكو، كما ينتظر الشعب المصرى زيارة مماثلة للرئيس إلهام علييف إلى القاهرة، بما يعطى تأكيد للجميع بأن ثمة توجهات مشتركة تجمع القائدين بعيدا عن أية ادعاءات تحاول بعض الأطراف اثارتها لتعكير صفو علاقاتهما وترابط نسيج مجتمعاتهما. / بقلم أحمد طاهر، شباب مصر/