الذاكرة الدموية
احمد عبده طرابيك يكتب: ذكريات أذربيجان المؤلفة في شهر مارس
باكو، 29 مارس / آذار، (أذرتاج)
علي غير موعد انتشر في العالم شبح خفي يحصد أرواح العشرات يومياً في مختلف دول العالم، وبات فيروس كورونا حديث العالم، حيث أصبح يتصدر عناوين الأخبار، بما يحمله للناس من أخبار مؤلمة حزينة كل يوم، وفي تلك الأوقات والظروف الحزينة التي يمر بها العالم، يعيش أقارب ضحايا مذابح الأذربيجانيين منذ اغتيالهم علي أيدي العصابات الإجرامية الأرمينية في أحزان مستمرة منذ ذلك التاريخ، طالما أن العدالة مازالت غير قادرة علي القصاص من مرتكبي تلك الجرائم.
منحت معاهدة "جولستان" الموقعة عام 1813، واتفاقية "توركمانتشاى" الموقعة عام 1828، بين الإمبراطورية الفارسية وروسيا القيصرية، منحتا الأساس القانوني لتقسيم الأمة الآذرية وتقسيم أراضيها التاريخية. واستلهاما لفكرة إنشاء أرمينيا العظمى، بدأ الأرمن فى تطبيق علنى، وعلى نطاق واسع لأعمالهم العدوانية ضد الأمة الآذرية خلال أعوام 1905- 1907. وبدأ الأرمن في ممارسة أعمالهم الوحشية فى باكو. وتوسعت تلك الأعمال العدوانية عبر بقية أراضى أذربيجان فى الأراضى "أرمينيا الحالية". حيث تم تدمير مئات القرى وتسويتها بالأرض، وقتل الآلاف من الناس بوحشية، حيث كان يهدف مرتكبوا الأعمال الوحشية إلى خلق صورة سلبية عن شعب أذربيجان لإخفاء الحقيقة ومنع وضع تلك الأحداث فى التقييم القانونى والأخلاقى والسياسى على نحو صحيح.
تمكن الأرمن من إظهار أنفسهم كمؤيدين للثورة البلشفية الروسية ، واستغلوا ذلك كغطاء في تطبيق مخططهم في التطهير العرقي والتخلص من سكان أذربيجان في المقاطعات المختلفة ، والتي بدأوها من بلدية العاصمة باكو بحجة محاربة العناصر المناوئة للثورة.
في الحادي والثلاثين من مارس 1918، أصدر "استيفان شاوميان" أوامره لعناصر حزبه التي تضم الأرمن والروس بالهجوم على المسلمين في أذربيجان، في أعمال عنف همجية بهدف التقل والترويع وإشاعة أجواء من الرعب، واستمرت تلك الأعمال ثلاثة أيام، راح ضحيتها في مدينة باكو وحدها 17 ألف قتيل، ودمر الأرمن المنازل الآهلة بسكانها، وأحرقوا السكان أحياء، وتحولت معظم مدينة باكو إلى أطلال بمعالمها المعمارية القومية والمدارس والمستشفيات، كما دُمر العديد من الآثار الأخرى، وامتدت تلك الأعمال الوحشية إلي باقي المدن "شاماخي، كوردمير، لنكران، ساليان، قوبا"، ليصل عدد القتلى إلى ما يقرب من 28 ألف قتيل، وجاوز عدد القتلى الأذربيجانيين في محافظة يريفان 130 ألف شخص.
بعد تأسيس جمهورية أذربيجان الديمقراطية، تم دراسة أحداث مارس 1918 بشكل علمي موثق، وأصدر مجلس الوزراء قراراً فى 15 يوليو 1918 لإنشاء لجنة خاصة لبحث وتقصى تلك الأحداث المأساوية، وبحثت اللجنة المرحلة الأولى من الإبادة الجماعية التى حدثت فى مارس، والأعمال الوحشية فى شاماخى، وفى إقليم يريفان، وأُسست إدارة خاصة تابعة لوزارة الشئون الخارجية، وذلك حتى يتعرف المجتمع على تلك الحقائق التاريخية . وأعلنت جمهورية أذربيجان الديمقراطية إعتبار الحادى والثلاثين من مارس يوم حداد وطنى فى البلاد، وذلك مرتين، فى عامي 1919 و1920. وكانت أول محاولة فى التاريخ لإعطاء تقييم سياسى لإبادة جماعية ضد شعب أذربيجان، وللعملية العدوانية التى استمرت لأكثر من قرن من الزمان. ولكن انهيار جمهورية أذربيجان الديمقراطية بعد ثلاثة وعشرون شهراً من تأسيسها لم يسمح بإنهاء هذه العملية.
استغل الأرمن عمليات تحويل مناطق شمال القوقاز لجمهوريات سوفيتية، وأعلنوا منطقة "زانجازور" التابعة لجمهورية أذربيجان، منطقة أرمينية، بضمها إلى جمهورية أرمينيا السوفيتية الاشتراكية عام 1920، وخلال الفترة من 1948 إلى عام 1953، تواصلت عمليات الترحيل الجماعي لسكان أذربيجان من مواطنهم، حيث كانت عمليات الترحيل تلك تتم بموجب قرار صدر في 23 ديسمبر 1947 من قبل مجلس وزراء الإتحاد السوفيتي تحت اسم "القرار الخاص بشأن التهجير الجماعي للفلاحين والسكان الأذربيجانيين من جمهورية أرمينيا السوفيتية الإشتراكية إلى سهل "كورا- أراز" التابع لجمهورية أذربيجان السوفيتية الاشتراكية، حيث تم بموجب هذا القرار ترحيل ما يزيد عن مائة وخمسين ألف أذربيجاني بالقوة القسرية خارج أرمينيا.
في عام 2015، ملئت أرمينيا الدنيا ضجيجاً بترويجها لما تدعيه دون سند قانوني، أول دليل مادي، أو حقيقة علمية "الذكري المئوية للإبادة التركية للأرمن"، وتناست أرمينيا ما اقترفته من أعمال وحشية تتطابق تماماً مع التوصيف الدولي "للإبادة الجماعية"، فهناك أعمال كثيرة ترتقي إلي تصنيفها "إبادة جماعية" ضد الآذريين ظلت لسنوات لم تأخذ حقها من الخلفية القانونية لتجزئة الأمة الآذرية وتقسيم أراضيها التاريخية، واحتلال أراضيها، مما ساعد على استمرار المأساة الوطنية لشعب أذربيجان، وأصبح الإحتلال الأرمنى للأراضى الأذربيجانية جزءاً لا يتجزأ من السياسة العدائية والإبادة الجماعية لشعب أذربيجان.
تحيي جمهورية أذربيجان في 31 مارس من كل عام ذكرى "المذابح الأرمينية للأذربيجانيين"، أو ما يطلق عليه "مذبحة الأيام الثلاثة"، التي ارتكبها الأرمن بحق شعب أذربيجان، حيث كان للأرمن ولا زال لديهم مخططهم المسبق وأجندتهم الخاصة للقضاء على شعب أذربيجان، لذلك حاولت أرمينيا الإستفادة القصوى من أحداث الحرب العالمية الأولي في ذلك الوقت، والثورات الروسية التي اندلعت في فبراير وأكتوبر 1917، لتنفيذ أجندتها