أخبار عالمية
"الوسيلة" تكتب: حيدر علييف . . . صفحة مضيئة في تاريخ أذربيجان الحديث
باكو، 12 ديسمبر (اذرتاج).
أدرج موقع "الوسيلة" المصري على شبكة الإنترنت مقالا للكاتب الصحفي المصري المعروف أحمد عبده طرابيك عن الزعيم القومي الأذربيجاني حيدر علييف. تعيد وكالة أذرتاج نشرها:
"تفخر الشعوب وتعتز دائما بما حققته بلادھم من إنجازات ساھمت في صناعة السلام والاستقرار وتحقیق التقدم والازدهار لأوطانهم، كما تسجل صفحات التاريخ أسماء القادة الذين ساهموا في صنع تلك الإنجازات وما حققوه لبلادهم.
تعد جمهورية أذربيجان من الدول حديثة العهد بالاستقلال بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في مطلع عقد التسعينيات من القرن الماضي ، لكنها تنمو بفاعلية كبيرة ، محققة معدلات نمو اقتصادية غير مسبوقة ، وأصبحت البلاد اليوم دولة رائدة علي الصعيد الإقليمي ، وذلك اعتماداً علي ما ورثته تلك الدولة من أسس قوية في كافة مجالات الحياة وضعها زعيمها القومي حيدر علييف ، الذي قاد أذربيجان من التفكك والتشرذم إلى الوحدة والاستقرار ، ومن الفقر والتخلف إلى التقدم والازدهار ، فاستحق عن جدارة واقتدار الاستحواذ علي لقب الزعيم التاريخي وباني نهضة أذربيجان الحديثة من قبل أبناء شعبه الذين عايشوا تلك الفترة من تاريخ بلادهم ، ولمسوا ما قدمه زعيمهم من إنجازات ، حيث شكل صمام الأمان للوحدة الوطنية، وحال دون قيام حرب أهلية في فترة من الفترات الصعبة من مسيرة الشعب الأذربيجاني .
ولد حيدر علي رضا أوغلو علييف في 10 مايو عام 1923 في مدينة ناخيتشوان العريقة في أذربيجان التي تعتبر بحق الحاضنة التي أنجبت لأذربيجان الأدباء والمفكرين والمعماريين الذين أثروا التاريخ الأذربيجاني بالعلم والمعرفة ومعطيات الحضارة ، وقد تخرج من دار المعلمين الابتدائية وعندما بلغ السادسة عشرة من عمره قدم إلى باكو والتحق بمعهد الصناعة الأذربيجاني ليصبح معماريا ، لكن الحرب العالمية الثانية أبعدته عن المعهد لفترة زمنية من 1941 - 1964 حيث مثلت هذه الفترة مرحلة صعبة من حياته . تخرج حيدر علييف من كلية التاريخ بجامعة أذربيجان الحكومية إلى جانب حصوله على شهادة التخصص في مجال عمله في جهاز أمن الدولة الأذربيجانية. تم تعيينه في عام 1964 بمنصب نائب رئيس لجنة أمن الدولة ومنذ عام 1967 شغل منصب رئيس لجنة أمن الدولة لدى رئاسة الوزراء في جمهورية أذربيجان. وقد منح رتبة لواء، وقد شكل ذلك حدثا تاريخيا لكافة أبناء الشعب الأذربيجاني فلم يسبق ان تم تعيين شخصية أذربيجانية في مثل هذا المنصب إبان حكم الاتحاد السوفياتي السابق، وفي يوليو عام 1969 جرى انتخاب حيدر علييف سكرتير أول للجنة المركزية للحزب الشيوعي الأذربيجاني ومنذ تلك اللحظة أصبح قائدا لجمهورية أذربيجان بموجب الأنظمة والقوانين المتبعة في ظل الحكم السوفياتي السابق ، وقد استمر في قيادة الجمهورية حتى عام 1982 .
بدأ حيدر علييف في وضع أسس بناء أذربيجان الحديثة من خلال إنجازاته في مجال العمران وبناء المراكز الصناعية العملاقة الحديثة والتي لا مثيل في دول الاتحاد السوفياتي السابق، بالإضافة إلي افتتاح المراكز العلمية والثقافية وإنشاء المدن والقرى والمراكز الحضارية الحديثة. حيث أدرك حيدر علييف أن الاستثمار الحقيقي يكمن في فئات الشباب، فهم قادة المستقبل والثروة الحقيقية لأي أمة، ومن هنا كانت من أهم أولوياته تأمين التعليم العصري للشباب وتمثل ذلك لهم في إنشاء المعاهد والجامعات المتقدمة، وإيفاد الكثير من الدارسين إلي أعرق الجامعات في الاتحاد السوفيتي السابق وقد أصبحوا الآن علماء وأساتذة يساهمون في نهضة بلادهم .
في ديسمبر عام 1982 انتخب حيدر علييف عضوا للمكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي، وعين في منصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء في الاتحاد السوفيتي السابق، وقد شكل ذلك نقلة نوعية كبيرة في تدرجه السياسي وأصبح يشغل منصبا كبيرا ومهما في الحزب الذي لا يقل عدد أعضاءه عن 22 مليون شخص، وبعد ذلك تم انتخابه عضوا للقيادة العليا للحزب من بين 21 عضوا. حيث شكل انتخاب أول أذربيجاني للمكتب السياسي حدثا هاما في تاريخ شعب أذربيجان، وفي 15 يونيو عام 1993 تم انتخاب حيدر علييف رئيسا لبرلمان أذربيجان وفي 24 من نفس الشهر وبقرار من البرلمان بدأ الرئيس حيدر علييف بممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية، وفي أكتوبر من نفس العام أيضاً تم انتخابه رئيسا للجمهورية من خلال الاستفتاء الشعبي العام، كما تم إعادة انتخابه في الانتخابات الرئاسية الثانية التي جرت في 11 أكتوبر عام 1998 لفترة رئاسية جديدة ليصبح رئيسا لخمس سنوات أخرى. حيث عمل حيدر علييف طوال فترة حياته على تعزيز سيادة واستقلال ووحدة أراضي جمهورية أذربيجان وقد كان عهده يمثل فترة التغيرات والتحولات الجذرية على طريق بناء الدولة الحديثة وما تم فيها من أحداث جذرية على السياسة الداخلية والخارجية ضمن أسس واضحة ومحددة، وبذلك دخلت أذربيجان بقيادة حيدر علييف مرحلة جديدة من تاريخها المعاصر وأصبحت دولة فاعلة في المجتمع الدولي ولفتت أنظار العالم إلى هذه الدولة الصاعدة في منطقة القوقاز واحدي الدول الخمس المطلة على بحر قزوين.
وضع حيدر علييف استراتيجية وطنية في مجال الطاقة ، اعتمدت علي أن يكون لأذربيجان دور هام ومحوري في سوق الطاقة الدولية ، وذلك ليس فقط باعتماد أذربيجان علي الكميات الكبيرة التي تنتجها من النفط والغار ، ولكن باعتبارها جسراً هاما بين مناطق إنتاج الطاقة في منطقة بحر قزوين ، وبين سوق الطاقة الرئيسي في أوروبا ؛ ولذلك شرعت أذربيجان في سبتمبر 1994 ، في توقيع " عقد القرن " مع شركات النفط متعددة الجنسية باستثمارات تقدر بنحو 50 مليار دولار أمريكي ، والذي يهدف إلي تطوير حقول النفط البحرية في القطاع الأذربيجاني من بحر قزوين .
اهتم حيدر علييف بإعداد جيش قوي يحفظ لأذربيجان قوتها ويصون أراضيها ويدافع عن حقوقها ، وخاصة انها كانت تمر بأصعب الفترات الزمنية في تاريخها ، فقد كان حريصا على أن يعلن إلى الشعب أن أذربيجان تحتاج إلى جيش قوي يدافع عن قضيتها العادلة في استرداد هذا الجزء السليب من أراضيها الغالية ، وكان هذا الإعلان عن الحاجة إلى الجيش القوي ، حتي يدرك كل مواطن ، وكل جندي في هذا الجيش واجباته الوطنية ، ويكون شريكاً في هذا الجيش بعد أن تمتلئ نفسه وروحه بالحمية والوطنية والإحساس بالانتماء إلى هذه الأرض ، لذلك أصبح جيش أذربيجان اليوم من اقوي جيوش منطقة القوقاز قوة ومنعة وتطورا وتسليحاً ، كما رسخ في نفوس أبناء الوطن أن الجيش القوي الوطني ليس للحروب والاعتداء ، بل للردع والحفاظ علي السلام والاستقرار .
وفي مجال السياسة الخارجية والعلاقات الدولية لأذربيجان ، حدد حيدر علييف المكانة الإقليمية والدولية التي يجب أن تكون فيها بلاده ، وبدأ في السعي لتحقيق طموحات وتطلعات بلاده ، استناداً إلي استراتيجية السياسة الخارجية الجديدة ، وأعطي عناية خاصة في مجال السياسة الخارجية لإعادة بناء الروابط التاريخية لأذربيجان مع العالمين العربي والإسلامي ، كما عمل إقامة علاقات قوية مع دول العالم المختلفة ، بعد أن أصبحت أذربيجان دولة حرة مستقلة ، وقد كان حريصا على أن يعرض مشكلات بلاده في المحافل الدولية وأن يكسب تأييد دول العالم الحرة له خصوصا بالنسبة لقضية " قره باغ الجبلية " التي تحتلها أرمينيا ، الأمر الذي توج بإصدار مجلس الأمن الدولي أربعة قرارات دولية تطالب أرمينيا بالانسحاب الفوري وغير المشروط من أراضي أذربيجان التي تحتلها .
رحل الزعيم حيدر علييف في 12 ديسمبر 2003، بعد أن وضع أذربيجان على الطريق نحو تحقيق آمال الشعب في الحرية والرفاهية والازدهار، فالإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية الثابتة، والإدارة الفعالة والسياسة الخارجية النشطة، قد جعلت من أذربيجان قائداً إقليميا وشريكا قويا موثوقا به في العلاقات الدولية، هكذا ينهض القادة بأوطانهم، وتسجل أسماءهم في سجلات تاريخها المجيد، ويتذكر الأجيال سيرة أبطالها وقادتها ليستلهموا الهمة والعزيمة على مواصلة المسير نحو التقدم والرقي والازدهار."