كانت قلعة شوشا عاصمة إمارة قاره باغ لأذربيجان لسنوات عديدة. يعد بناء قلعة شوشا من سنتي 1750-1751. وفقاً للمصادر التاريخية، بدأ بناء القلعة على جبل مرتفع شديد الانحدار في عام 1750 واكتمل في سنتي 1756-1757. أعلن خان (أمير) قاره باغ بناه علي خان شوشا عاصمة له، وعززها وحولها إلى مدينة محصنة. سميت المدينة بـ"بناه أباد" تكريما لبناه علي خان لفترة من الوقت وبعد ذلك بـ"قلعة شوشا" و"شوشا".

قدم السائحان والعالمان البريطانيان جيمس موريي (C.Morye) وريتشرد بورتير (R.Burter) تعليقات قيمة على قدم شوشا. وفقاً لـجيمس موريي، كانت شوشا مستوطنة بشرية قبل الميلاد. كتب جيمس موريي أن " شوشا لديها مبان حجرية وشوارع واسعة بأرضيات حجرية وبقايا حمامات جميلة تشبه الحمامات الرومانية القديمة، كما هو الحال في المدن الأوروبية ولا يوجد مثيلها في مناطق أخرى من القوقاز."

تقدم أذرتاج مقالاً بعنوان "شوشا - مدينة ذات أهمية تاريخية وثقافية واستراتيجية" بقلم إيلتشين أحمدوف، أستاذ أكاديمية الإدارة العامة برئاسة جمهورية أذربيجان والدكتور في العلوم السياسية ونائب رئيس "المجتمع الأذربيجاني في منطقة قاره باغ الجبلية بجمهورية أذربيجان".

اعتباراً من النصف الثاني من القرن الثامن عشر، ازداد عدد سكان المدينة بسرعة وأصبحت شوشا واحدة من أهم المدن من الناحية الاستراتيجية في أذربيجان. في عهد بناه علي خان، تم تنفيذ أعمال بناء واسعة النطاق في المدينة وثم في عهد إبراهيم خليل خان (1763-1806) ازدادت إمارة قاراباغ قوة. من الجدير بالذكر أنه تم بناء قلعة عسكران وقلعة أغ أوغلان وجدران قلعة شوشا وغيرها من الحصون ذات أهمية إستراتيجية ومستلفتة النظر في أراضي الإمارة. نمت المدينة في وقت قصير وجذبت الانتباه بجمالها الطبيعي ومبانيها العالية وجدران القلعة الرائعة.

في النصف الثاني من القرن الثامن عشر وصلت شوشا التي كانت مدينة ذات أهمية تاريخية وثقافية واستراتيجية في أذربيجان إلى مستوى الأسواق العالمية بسجادها وحريرها وقماشها وخزفها، وبالتالي اكتسبت شهرة كبيرة. في الثمانينيات من القرن الثامن عشر، تم بناء جدران القلعة الرائعة حول المدينة. خلال هذه الفترة، كان لدى المدينة عدد كبير من الأحياء الحرفية وكانت التجارة تنمو بشكل أسرع. كان التجار من شوشا يتاجرون في تبريز وطهران وأصفهان وإسطنبول وبغداد وسمرقند وموسكو ومرسيليا والمدن الأخرى. تم سك النقود الفضية المسماة بـ"بناه أبادي" في المدينة.

أطلق على مركز التسوق المغطى في شوشا والشارع الرئيسي الممتد من مكان يسمى "بازارباشي" إلى "شيطان بازار" اسم "راستابازار". كانت أرصفة راستابازار تتكون من أعمدة وأقواس مبطنة بالرصاص ومثبتة بعضها بالبعض بالحجارة وتذكرنا بشرافة مغطاة ظلت جافة ونظيفة في جميع الفصول للسنة. كانت المركبات تتحرك في منتصف الشارع. تم بناء هذه السوق بذوق رفيع على طراز أسواق الشرق الأوسط وكانت تعطى جمالاً خاصاً للمدينة. اكتمل المظهر الفريد لمركز شوشا للتسوق من خلال ساحة السوق الكبيرة المجاورة للطريق السريع. تألفت الساحة الرئيسية في المدينة والمسماة ب"ميدان" من معابد ومباني تجارية على طول شارع راستابازار ومحلات من طابق واحد ومبيت القوافل من طابقين ومسجد "جمعة" الجميل مع مئذنتين. في بداية القرن العشرين كان هناك 1464 متجراً في المدينة والتي كان إلى جانب الأسواق، حجم مبيعات سنوية يبلغ 6 ملايين روبل. كان هناك 17 حياً في المدينة ولكل منها مسجد ونافورة وحمام.

من الجدير بالذكر أن المصادر التاريخية تفيد أنه في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، كان في شوشا بالفعل عدد كبير من المعامل للنسيج وكان يعمل فيه أكثر من ألفي حرفي. وحسب المعلومات لعام 1809 كانت هناك 1500 ماكينة للنسيج في شوشا في ذلك الوقت. وهذا يعني 1500 حرفياً على الأقل. في الستينيات من القرن التاسع عشر كانت في شوشا معامل غزل الحرير بطاقة تجارية سنوية تبلغ 78 مليون روبل والتي سرعان ما وصلت إلى قدرة إنتاج سنوية تبلغ 117 مليون روبل.

شارك ممثلو شوشا أيضاً في المعرض الدولي الذي افتتح في فيينا عام 1873 وأثارت المعروضات المقدمة في المعرض اهتماماً كبيراً لدى الأجانب. في الصفحة الرقم 43 من مجلة أنباء القوقاز (Vestnik Kavkaza) التي نشرت في تبليسي (جورجيا) في عام 1903 يشار إلى أن "مظهر شوشا يذكرنا بالمدن الأوروبية في العصور الوسطى". كان تجار هذه المدينة يتمتعون بمكانة مهيمنة في تجارة شرنقة الحرير ولديهم علاقات تجارية مباشرة مع تبليسي وموسكو ومرسيليا.

في الوقت نفسه، أشار عدد من الباحثين مراراً وتكراراً إلى أن شوشا لها طبيعة جميلة وموقع جغرافي وخاصة هي قلعة استراتيجية مهمة جداً. قال علماء المناخ المعروفون بعد فحصهم بعناية للظروف المناخية والحيوانات والنباتات في هذه المدينة المهمة التي تقع على ارتفاع 1403 متراً فوق مستوى سطح البحر إن شوشا مدينة ذات أهمية طبية كبيرة. إن اكتشاف المياه المعدنية في عام 1854 في مكان بهي يسمى ب"الماء الحامض" (تورشسو) على بعد 18 كيلومتراً جنوب المدينة أحق رأي العلماء أيضاً. تعرف شوشا كمدينة منتجعة صحية من حيث النظافة والنقاء والقيمة العلاجية. من وجهة النظر هذه، كانت شوشا معروفة ليس فقط في أذربيجان، ولكن أيضاً في الخارج لأماكنها الممتعة ومناطق الترفيه. تنمو في جبال شوشا زهرة "خاري بلبل" التي تتميز بجمالها الخاص ولا تنبت أبداً في أي مكان في العالم. هذه الزهرة المستوطنة جميلة وشفائية.

بحلول النصف الثاني من القرن التاسع عشر بلغ عدد سكان المدينة 25 ألف نسمة ، بما في ذلك العلماء والفنانون المعروفون. وحسب المعلومات الصادرة عن أكاديمية العلوم الوطنية لأذربيجان، انحدر من شوشا 95 شاعراً و22 باحثاً للموسيقى و38 مطرباً و 19 خطاطاً و16 نقاشاً و12 ناسخاً و5 فلكيين و18 مهندساً معمارياً و16 طبيباً وما يصل إلى 42 مدرساً والآخرين في القرن التاسع عشر فقط. لعبت هذه النخبة المثقفة دوراً كبيراً في تحول مدينة شوشا إلى مركز ثقافي وتطوير العلوم والثقافة فيها.

تثبت الوثائق التاريخية أن الكاتب المعروف ألكسندر دوماس ومؤلف الأعمال الكلاسيكية مثل "الفرسان الثلاثة" و"كونت مونتي كريستو"، قام بزيارة روسيا والقوقاز من منتصف عام 1858 إلى أوائل عام 1859. خلال زيارته إلى القوقاز، زار أذربيجان لبعض الوقت وتم نشر انطباعات ألكسندر دوما لويارة القوقاز المكونة من ثلاثة مجلدات في باريس وفي أبريل 1859 (بالفرنسية: Impression de Voyage Le Caucase).

أثناء زيارته لمنزل قائد الشرطة بيكوليفسكي في أحد أحياء باكو التقى ألكسندر دوما ابنة أمير قاره باغ الشاعرة المعروفة خورشودبانو ناتوان وزوجته الأمير خاساي أوسمييف وتطورت بينهما صداقة مخلصة. كان الكاتب الفرنسي دوماس يلعب الشطرنج مع الشاعرة الأذربيجانية خورشودبانو ناتوان. كانت نتيجة اللعبة غير المنسية جدا. وهكذا، فإن خورشودبانو ناتوان فازت على دوما. عندما هزم خورشودبانو ناتوان دوما كانت أصغر بكثير من دوما سناً. كان خورشودبانو ناتوان تبلغ 26 عاماً فقط من العمر وكان عمر دوما 56 عاماً. تجدر الإشارة إلى أنه بدعم من مؤسسة حيدر علييف، تم الكشف عن نصب تذكاري للشاعر الأذربيجاني البارز خورشيدبانو ناتوان في واترلو ببلجيكا في 18 فبراير 2016. هناك معلومات واردة في قاعدة النصب التذكاري تفيد بأن خورشيدانبو ناتوان هي أميرة قاره باغ.

تثبت المصادر التاريخية بشكل عام أن قلعة شوشا كانت تاريخياً عاصمة قاره باغ في أذربيجان. في بداية القرن التاسع عشر، في 14 مايو 1805 وقع حاكم قاره باغ إبراهيم خان والجنرال سيسيانوف، القائد العام لقوات الروسية في القوقاز على معاهدة كوراكتشاي ("قسم الولاء"). وهكذا، أصبحت إمارة قاره باغ جزءاً من روسيا وبدأت على الفور في إعادة توطين الأرمن في قاره باغ لتعزيز موقف القيصرية. وتبين هذه الحقيقة أن المطالبات الإقليمية الأرمنية لقاره باغ لا أساس لها. لأنه إذا كان الأرمن يقيمون في إمارة قاره باغ ويقلدون المناصب فلم يوقع الجنرال سيسيانوف العقد مع حاكم قاره باغ إبراهيم خان.

حدثت الزيادة الكبيرة في عدد السكان أرمني الأصل في الجزء الجبلي من قاره باغ في عشرينات من القرن التاسع عشر، خاصة بعد الاحتلال الروسي لجنوب القوقاز. خلال الحروب الروسية الإيرانية في سنوات 1804-1813 و1826-1828 والحروب الروسية التركية 1828-1829، بالإضافة إلى إعادة التوطين الجماعي للأرمن من إيران وتركيا إلى جنوب القوقاز، بما في ذلك قاره باغ ونتيجة لذلك، بدأ عددهم ينمو كل عام. وهذا ما تؤكده وثائق مثل اتفاقيات جولستان (12 أكتوبر 1813) وتركمانشاي (10 فبراير 1828) بين روسيا وإيران. بعد عام 1828، تمت إعادة توطين 124 ألف (وعدد غير رسمي 200 ألف) أرمني رسمياً في الجزء الجبلي من منطقة قاره باغ من إيران وتركيا، وتواصلت هذه العملية طوال القرن التاسع عشر وكان لها تأثير معين على الوضع الديموغرافي.

ونتيجة لذلك، في 7 يوليو 1923، تم منح وضع ولاية قاره باغ الجبلية ذات الحكم الذاتية للأرمن الذين أعيد توطينهم في الجزء الجبلي من منطقة قاره باغ كجزء من أذربيجان تحت رعاية وبمشاركة مباشرة من روسيا السوفيتية. كانت قاره باغ جزءاً من مقاطعة كنجا خلال جمهورية أذربيجان الديمقراطية في 1918-1920 وكانت جزءاً لا يتجزأ من جمهورية أذربيجان الاشتراكية السوفياتية في سنوات 1921-1991.

في النصف الثاني من الثمانينيات من القرن العشرين، استغل الأرمن الوضع لتنفيذ فكرة "أرمينيا الكبرى" وأعادوا تأكيد المطالبات الإقليمية لمنطقة قاره باغ الجبلية في أذربيجان. في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينات وبفضل رعاية اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية على الأرمن، أصبح الوضع أكثر تعقيداً وشنت جمهورية أرمينيا عدواناً صريحاً بإرسال قوات إلى أراضي أذربيجان. ابتداءاً من أوائل عام 1992، احتلت القوات المسلحة الأرمنية آخر المستوطنات الأذربيجانية في قاره باغ الجبلية.

في 8 مايو 1992 احتل الجيش الأرمني كل قاره باغ العليا من خلال الاستيلاء على مدينة شوشا، المركز الفني والثقافي القديم لأذربيجان. ونتيجة لذلك، احتلت القوات المسلحة الأرمنية مقاطعة شوشا التي تغطي مساحة 289 كيلومتر مربع ويبلغ عدد سكانها 24 ألف نسمة وتتألف من مدينة واحدة و30 قرية. قُتل 195 شخصاً وجرح 165 وفُقد 58 آخرون في معارك شوشا.

جراء عدوان القوات المسلحة الأرمنية تم نهب وإحراق وتدمير 25 مدرسة و31 مكتبة و17 نادياً و8 دور ثقافية و4 مدارس فنية وفرعين للمعاهد و7 رياض للأطفال و4 دور للسينما و5 حدائق ثقافية وترفيهية ومصحتين ومركز للسياحة وفندقين وفرع متحف الدولة للسجاد الأذربيجاني في شوشا ومسرح شوشا للدراما وتلفزيون شوشا ومعمل الآلات الموسيقية الشرقية ومعرض الفنون ومدرسة صحة الأطفال. في الوقت الحاضر، يقيم 34 ألف 300 شخصاً من منطقة شوشا مؤقتاً في 58 منطقة في أذربيجان.

مع ذلك، كانت في شوشا قبل الاحتلال أكثر من 170 بناية سكنية و160 معلماً ثقافياً وتاريخياً تعتبر من المعالم المعمارية. من بينها صناديق مقابر شوشا وشوشاكيند الحجرية التي تعتبر آثاراً من العصر البرونزي المتأخر والعصر الحديدي المبكر ومعسكر كهف شوشا وأنه نصب تذكاري للعصر الحجري وجدران قلعة شوشا في القرن الثامن عشر وبوابة كنجا وقصر ومكتبة بناه خان وبرج وقلعة إبراهيم خان وقصر الأمير ومبيت القوافل مدرسة الشاعر ملا بناه واقف وقبره ومدرسة المسجد الأعلى وملك عائلة الحاج غولي ومبيت القوافل من طابقين ومجمع الجنرال مهمانداروف ومساجد جزهر أغا وخوجا مرجانلي وحاجي عباس ومردينلي وسعاتلي وكوشرلي ومنازل خورشودبانو ناتوان وينبوعها ومنازل عبد الرحيم بيي حقفيردييف وقاسم بيي ذاكر ومير محسن نواب وسليمان ثاني أخمدوف ونجف بيي وزيروف ويوسف وزير شمنزكينلي وبيت ماماي بيي مسجده وينبوعه ومنازل عائلات بهبودوف وزهراببييف وفرامازوف وبهمان ميرزا ومتاحف ومنازل أزير بيي حاجي بييف وبلبل وبيوت المغني خان شوشينسكي زعازف التار صادق جان ومبنى مدرسة "ريالني" ومدرسة البنات ومام المياه العذبة وينبوع الميدان وينبوع عيسى وإلخ. تم نهب وإحراق وتدمير هذه الأمثلة على الثقافة التاريخية من قبل المحتلين الأرمن.

وكانت مدينة شوشا تعرف في وقت ما باسم " باريس الصغرى" و"معبد القوقاز للفنون" و"مهد الموسيقى الأذربيجانية" و"المعهد الشرقي" ومسقط رأس عدد من الشخصيات البارزة وكذلك المركز التاريخي والثقافي لأذربيجان ووقع تاج قاره باغ تحت الاحتلال منذ 28 سنة. من جهته، أشاد الزعيم الوطني حيدر علييف بأن شوشا هي مدينة آثارية وأشاد بأهميتها الاستثنائية لأذربيجان مشيراً إلى أنه "بدون شوشا لا توجد قاره باغ ، وبدون قاره باغ لا توجد أذربيجان".

من خلال مواصلة المسار السياسي للزعيم الوطني حيدر علييف وإيلاء الاهتمام الخاص لتسوية الصراع الأرمني الأذربيجاني في قاره باغ الجبلية، أكد الرئيس إلهام علييف أن وضع قاره باغ الجبلية قد يناقش بعد عودة السكان الأذربيجانيين إلى وطنهم بما في ذلك إلى شوشا. لا بد من حل كل ذلك في إطار وحدة أراضي أذربيجان.