مراسل أذرتاج بالرباط يحاور الدكتور عبد الرحمن بودرع بعد فوزه بجائزة الدوحة للكتاب العربي في مجال الدراسات اللغوية والأدبية

الرباط، 13 فبراير، شعيب بغادى، أذرتاج
في إطار الدورة الثانية لجائزة الكتاب العربي الذي أسدل عنها الستار مؤخرا بالدوحة كان الباحث والأكاديمي المغربي عبد الرحمن بودرع ضمن الفائزين الأوائل الذين تم تتويجهم في مختلف الميادين الفكرية والعلمية تقديرا لإسهاماتهم المتميزة في إثراء المعرفة العربية.
وعلى مستوى تخصص الدراسات اللغوية والأدبية احتل الدكتور عبد الرحمن بودرع الأستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة عبد المالك السعدي بتطوان رئيس تحرير مجلة “فقه اللسان" المركز الأول عن مؤلفه "بلاغة التضادّ في بناء الخطاب - قضايا ونماذج".
وبهذه المناسبة كان لمراسل وكالة أذرتاج بالرباط لقاء مع الباحث والأكاديمي المغربي عبد الرحمن بودرع الذي صرح بما يلي:
س: كيف استقبلتم فوزكم بهذه الجائزة العلمية؟
ج: الفوز بهذه الجائزة العلمية لم يكن متوقعا لأسباب كثيرة بالرغم أنني ترشحتُ بالكتاب للمشاركة فيها وبالرغم من أن كتابَ بلاغة التضادّ مشروع فيه جدة ويستحق التعريف به حيث كنت أتوقع أن تتقدم مشاريع كتب كبيرة جدا من أساتذة كبار ومن شيوخ علم في العالم العربي خاصة وقد بَلَغَ عدد الدول المشاركة 35 دولة وهو عدد كبير وهائل، قُدِّمَ فيه 1261 كتابا.
على كل حال استقبلتُ هذا الفوز بحمد الله تعالى وشكره فهو خبر طيب جدا يبشر بالخير الكثير لبلدنا المغرب ولكل الأقطار العربية وهذا الكتاب الفائز بالجائزة لا يُعرب عن مؤلِّفه فحسب ولكنه يعبر عن جيل صاحبه أي جيل الباحثين والجامعيين والأكاديميين والكتاب الذين يقدمون مشاريع علمية جادة، وكذلك يعبر عن بلدنا ويشرف المملكة المغربية بين البلدان وهذا أيضا إحساس طيب جدا أن ترى المغاربة لهم السبق وهذا التفوق فلستُ إلا فَردا في جَماعةٍ والجماعة أو مجتمع المعرفة هو الذي ساعَدَ على بروز هذا المشروع وقَبوله بين المشاريع العلمية.
س: ما قيمة تنظيم جائزة الكتاب العربي؟
ج: نشوء مؤسسة أو أكاديمية أو مركز ينظم جائزة كبرى للكتاب العربي له قيمة عالية جدا لماذا؟ أولا هو تشجيع للكتابة الجادة مع وضع معايير وأسس لما يمكن تسميته بالكتاب الأكاديمي أو العلمي الجاد لأننا عندما نطلق مصطلح كتاب أحرزَ تفوقاً فإننا لا نعني به أي كتاب ولكن نعني الكتاب الذي ينبغي أن يخضع لمعايير البحث العلمي وللشروط المنهجية الدقيقة و لمقاييس الكتابة المتميزة المحترمة ومنها الإتيان بجديد نافع وإثارَة إشكالات واحترام قواعد الكتابة من حيثُ سلامة اللغة والاعتماد على المصادر والمراجع المناسبة قديمِها وحَديثِها عَرَبيِّها وأجنبيِّها ومن حيثُ التوثيق الصحيح السليم والأمانة في النقل واتباع منهجية معينة مركبة من عدّة طرُق وإجراءاتٍ كالوصف والتفسير والتحليل والاستقراء وغير ذلك.
هذا كلّه ينعكسُ على المجتمع ويؤثّر فيه لأنه يسهم في تكوين "مجتمع معرفة" وهنا لا نعني بالمجتمَع مَجمَعَ أخلاط وأهواء بقدر ما نعني مجتمع العلماء والمثقفين فغايَتُنا أن يتشكل المجتمع من مثقفين ومتعلمين وقراء... وتقل الأمية والغوغائية هذا هو انعكاس محتوى جائزة الكتاب على المجتمع وهذا بُعد مجتمعي نطمح إليه ونظنُّ أن مجتمعنا يسير نحو سيادَة الثقافة لكن لم يبلغها بعد السوادُ الأعظم من الناس.
س: ما حقيقة وطبيعة ملامح مشروعكم العلمي وعلاقته بالكتاب الفائز بالجائزة؟
ج: الحقيقة أن هذا المشروع العلمي لا يقف على هذا الكتاب الفائز بالجائزة بقدر ما أنه بُني من سلسلة من الكتب ابتدأت سنة 2000 وسُبقت قبل هذا التاريخ ببحوث ومقالات نشرت في مجلات مختلفة وقُدمت في ندوات... لكن التأليف العلمي الأكاديمي المنهجي المؤسّسَ انطلق سنة 2000 بكتاب "الأساس المعرفي للغويات العربية: دراسة إبستمولوجيا" ثم تلاه كتاب "جوامع الكلام في البيان النبوي" ثم كتاب " المنتقى من فصيح الألفاظ للمعاني المتداولة" ثم كتاب "من قضايا الأشباه والنظائر بين اللغويات العربية والدرس الساني المعاصر" ثم كتاب " الإيجاز وبلاغة الإشارة في البيان النبوي" ثم كتاب "في تحليل الخطاب الاجتماعي السياسي" قضايا ونماذج من الواقع المعاصر" ثُم كتاب "من قضايا النظرية اللغوية العربية" ثم كتاب "في النص الذي نحيا به قضايا ونماذج في تماسك النص ووحدة بنائه" ثم بعض الكتابات التي أشركنا فيها بعض الطلاب في البحث العلمي منها دراسة معجمية عنوانها "نحو معجم لمصلحات لسانيات النص وتحليل الخطاب" ثم ظهر أخيرا كتيب بعنوان "نحو معجم للمصطلحات النصية المُعَرَّفَة في التراث البلاغي العربي".
أمّا هذا الكتابُ الفائز بجائزة الكتاب العربي وهو "بلاغة التضادّ في بناء الخطاب - قضايا ونماذج" فقد أثار قضية بُعدٍ جَديد من أبعاد النظر والرؤية والتصور والتفكير أي طريقة أخرى في رؤية العالم وهو البُعد التقابلي في فهم الأشياء وتفسيرها و تأويلها بعد أن ساد في حقبة طويلة البُعدُ المنطقي فجاء هذا الجديد لكي يعالجَ أو يفسر لنا كيف أن علاقة التقابل بين الظواهر وبين الأشياء... علاقةٌ مهيمنةٌ تتحكم في القوانين والأفكار والمفاهيم وغير ذلك وأننا إذا أردنا أن نفهم ظاهرة ما أو قضية ما أو إشكالا ما فإننا ننظر إليه من هذه الزاوية زاوية البحث عن كيفية التقابل بين الأشياء وكيفية التضاد حتّى إنّ التقابُلَ والتضاد وما شاكلهما من مَفاهيمَ أصبح اليومَ منطقاً جديداً في الفهم والتحليل والتعليل وهذا شيء مهم جدا وله تفصيل في الكتاب.
س: ما مدى تأثير مشروعكم العلمي على المجتمع؟
ج: تأثير هذا المشروع في المجتمع يظهر في أننا نفهم من المجتمع مجتمع المعرفة ومجتمع تكوين جيل من المثقفين يكون له أثر في نشأة أطفال وشباب من المتعاطين إلى الكتابة والقراءة الجادة والتفكير النقدي المنطقي المؤصَّل وهذا تأثير إيجابي باعتبار أن عالَمَ الفكر والعلم والفن يؤثر في العلاقات بين الناس ويؤثر في الأشياء وفي الرؤيا وهذه هي القيمة العلمية الثقافية التي تؤثر في مستوى المجتمع وفي تصوره للأشياء وفي تقدمه وفي تحوله من مجتمع استهلاكي إلى مجتمع إنتاج وفهم وبحث عن الأصوب الأصلح ومجتَمَع تهذيب الأخلاق والنفوس والطباع، وهذا هو الانعكاس الإيجابي للثقافة وللعلم وللمشاريع العلمية على المجتمع.
إن الجيل الجديد والشباب الراهنَ، بدأ يعتني بالقراءة والكتابة بالرغم من هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي وبالرغم من انتشار طرق الكتابة الرقمية وتوسيط الذكاء الاصطناعي في جلب المعلومات، بالرغم من ذلك كله ما زال الكتابُ الجادُّ حيا وسيظل كذلك وسيستمرُّ الناس في قراءَته وتَداوُلِه وتظل سوق الكتاب في ازدهارٍ لا تَنفُقُ وتظلُّ المَعارض الدولية للكتب من المحيط حتى الخليج كلها تنعقد مَرةً في كل سنة وتستقبل من الزوار الأعداد الغفيرة من الدول المختلفة وهذا يدل على أن الكتاب ما زال وسيظل حيا مؤثرا منتشرا ضابطا للرؤية مسهما في تبادل الخبرات بين المثقفين وأداةً للاطلاع على الجديد وتطوير الفكر وتطوير البحث العلمي.