أخبار عالمية
أحمد عبده طرابيك يكتب: عايدة إيمان قولييفا روح الشرق وحضارة الغرب
باكو، 19 سبتمبر (أذرتاج)
تعتبر العالمة عايدة إيمان قولييفا، أحد أهم رواد علم الاستشراق في العالم، فقد أسهمت أبحاثها العلمية، وأعمالها الأدبية بشكل كبير في وضع حجر الأساس لدمج الفكر الفلسفي العربي بالعالمي، فقد أطلعت العالم الغربي على اللغة العربية والأدب العربي الحديث والثقافة العربية، بموهبتها العلمية ونشاطها الاجتماعي الكبير، فمدت جسوراً من العلاقات والتواصل بين العالم العربي والعالم الغربي، فكشفت عن كنوز الأدب العربي، وأزالت الكثير من المجهول عن الفكر والثقافة العربية .
ولدت عايدة إيمان قولييفا في باكو في العاشر من أكتوبر 1939، لعائلة نبيلة لها مكانة رفيعة في تاريخ الحركة النسائية في أذربيجان، حيث كان والدها كاتب وصحفي بارز ، وأحد أهم مؤسسي وسائل الإعلام في أذربيجان، الأمر الذي ساعدها علي الاتجاه إلي الانفتاح علي الثقافة والأدب العربي، فكانت أول امرأة أذربیجانیة تعمل في مجال علم الاستشراق، فتفوقت في هذا المجال، حتي صارت أحد أهم رواد ذلك العلم، ومن ثم تبوأت مكانة مرموقة بين زملائها في هذا المجال، فشغلت منصب مدیر معھد الدراسات الشرقیة التابع للأكادیمیة الوطنیة للعلوم، كما أنھا كانت أول امرأة تحصل على درجة الدكتوراة في علم اللغة، وأول باحثة في أدب المھجر في أذربیجان، وكانت عضوا في جمعیة المستشرقین، وعضوا في مجلس التنسیق في بحث ودراسة الأدب الشرقي في الاتحاد السوفیتي .
كانت باكو عاصمة جمهورية أذربيجان، والتي كانت إحدي جمهوريات الاتحاد السوفيتي من أهم المدن التي اهتمت بالاستشراق خلال العهد السوفيتي، وذلك باعتبارها عاصمة لجمهورية إسلامية، ولدي شعبها الكثير من العادات والتقاليد والقيم المشتركة مع الشرق من خلال ما يربط بينهم من روابط العقيدة الإسلامية، إلي جانب أنها كانت تعد من أهم المدن السوفيتية من النواحي الاقتصادية والثقافية والحضارية، ومن ثم فقد ازدهر علم الاستشراق في أذربيجان، وتأسس بها معهد الاستشراق ضمن أكاديمية أذربيجان الوطنية للعلوم، الذي كان مدرسة تخرج منها علماء أثروا المكتبة الغربية بعلوم الشرق.
ازدهر الأدب العربي في مطلع القرن العشرين بشكل واسع، وكان له مساهمات وأثر كبيرين في تقدم الآداب العالمية، حيث اهتم الأدب العربي بالجوانب الروحية والأخلاقية لدي الإنسان، حيث اهتم بالمثل العليا والقيم السامية والرقي بالنفس البشرية، لذلك اتصل انتشر الأدب العربي وزاد الاهتمام به من قبل العالم الغربي، خاصة بعد ازدهار الأدب العربي في المهجر.
قدمت قولييفا إسهامات ھائلة في مجال انتشار ودراسة اللغة والثقافة العربیتین والأدب العربي، باعتبارها أكاديمية مرموقة لها تأثير علمي كبير في هذا المجال، ومثالا مشرفا لمدرسة علماء الاستشراق، الأمر الذي جعلها مشاركاً دائما في مختلف المحافل الدولية، بعد أن سخرت جل جهودها العلمية لموضوعات البحث في تاریخ الأدب العربي والشرقي وعلوم اللغة العربية.
اهتمت عايدة قولييفا بدراسة أدب المھجر الذي ازدهر علي نطاق واسع، وكان له مدرسة أدبية تعرف بهذا الاسم " أدب المهجر "، حيث اهتمت تلك المدرسة بإظهار الجوانب الرومانسية في الأدب العربي، والتي لم تكن معروفة من قبل، وكان ذلك دافعاً لأن تولي الأكاديمية قولييفا اهتماماً علي التطور الفلسفي للرومانسية العربية الجديدة، ومن ثم فهم ومعرفة الأدب العربي الجديد، والكشف عن البعد الإنساني في الأدب العربي الحدیث، وتوضيح الاتجاه الجديد للأدب العربي في الابتعاد عن القوالب التقليدية، والإبداع في ظهور الرومانسية الأدبية شعراً ونثراً.
يحسب للدكتورة إيمان قولييفا أنها كانت مستشرقة تخوض بالمنهج العلمي الرصين عن التأثیر المتبادل والروابط الأدبیة المتبادلة بین الثقافات الشرقیة العربية والغربیة، فقد قدمت بالبحث والتحليل البرهان علي تطور الأسلوب الإبداعي، وظھور اتجاھات أدبیة جدیدة، وكان لهذا أثر كبير في وجود قواسم مشتركة للبحث في التوجه الجديد للأدب العربي، حيث انعكس إبداع الأدباء العرب في المهجر وفي مقدمتهم ميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران، الذین أسسوا " رابطة القلم " في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كان لهم بصماتهم الواضحة علي نشأة الرومانسية في الأدب العربي الحديث.
لقد شيدت البروفيسورة عايدة إيمان قولييفا جسوراً قوية من علاقات الصداقة بين أذربيجان والعالم العربي، وطلابها الذين تأثروا بعلمها ومدرستها في علم الاستشراق، وساروا علي دربها يشكلون الآن امتداداً لذلك الجسر الذي شيدته، والذي كان من نتائجه ازدهار العلاقات بين أذربيجان والعالم العربي بشكل كبير لم يسبق له مثيل، حيث يعمل زملاء وطلاب قولييفا علي تطوير تلك العلاقات بتواصلهم مع مختلف المؤسسات في العالم العربي بما يحقق المصالح المشتركة وتحقيق مستقبل مزدهر مشرق.
اليوم التاسع عشر من سبتمبر، يوافق ذكر مرور ستة وعشرون عاماً علي رحيل العالمة عايدة إيمان قولييفا، وهي في قمة عطاءها العلمي والأكاديمي بعد حياة حافلة بما قدمته من مؤلفات ودراسات كان لها أثر كبير في نقل صورة حقيقية وواقعية عن العالم العربي إلي الغرب، ولا نملك في هذه الذكري الأليمة سوي التضرع لله سبحانه وتعالي أن يتغمدها بواسع رحمته، وأن يجعل ما قدمته من علم في ميزان حسناتها، فقد انقطع عملها من الحياة الدنيا، لكن ما زال علمها ينتفع به من طلابها ودارسي وباحثي علوم الشرق.