مجتمع
الدكتور سالم بن محمد المالك : ثقتي كاملة ويقيني تام بنجاح جمهورية أذربيجان في تنظيم هذا المحفل الدولي الكبير
الرباط، 2 نوفمبر، شعيب بغادى، أذرتاج
لم يعد يفصل العالم عن فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ " كوب 29 "، إلا أياما قليلة، حيث ستقف لؤلؤة القوقاز أذربيجان، بشموخها المعهود لتبصم على أنجح تنظيم لواحدة من أرفع التظاهرات الدولية التي تحل بباكو بهدف خدمة حياة الأرض والبشر.
وفي هذا الإطار وكما عملت وكالة أذرتاج، تواصل سلسلة النقاشات الحوارية مع مختلف الشخصيات البارزة في مجالات الفكر والإعلام والعلوم، لإبراز موقفهم وآرائهم، حيث تستضيف اليوم شخصية لها من الثقافة والمعرفة، ما يمكنه أن يمنح قيمة مضافة تساهم في خدمة أبعاد المؤتمر، الهادفة إلى إيجاد حلول لمشاكل المناخ، وبالتالي حماية البيئة والبشرية عامة.
ضيفنا هو الدكتور سالم بن محمد المالك، المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة " إيسيسكو"، والذي جاءت إجابته عن أسئلة اللقاء كالتالي:
- ما أبرز الإنجازات التي حققها مؤتمر الأطراف في مجال مكافحة تغير المناخ منذ انعقاده الأول وحتى الآن؟
منذ أولى دوراته المنعقدة عام 1995 في برلين بألمانيا، لعب مؤتمر الأطراف السنوي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP) دورا محوريا في معالجة قضايا تغير المناخ على نطاق عالمي، حيث ساهم المؤتمر بتعزيز التعاون الدولي في هذا الصدد، وتعبئة الموارد، ورفع الوعي العالمي بمختلف القضايا والانعكاسات السلبية للتغيرات المناخية. كما كان له دور أساسي في تكثيف الجهود الجماعية بأهمية مكافحة تغير المناخ، مما شجع البلدان على تقديم التزامات مناخية أكثر نجاعة عاما بعد عام.
ومن أبرز إنجازات مؤتمرات الأمم المتحدة للتغير المناخي زيادة التمويل المتاح لقضايا ومشاريع المناخ، مما مكن الدول من الحصول على الموارد المالية اللازمة لتنفيذ سياسات فعالة للتكيف مع التغيرات المناخية وانعكاساتها المستمرة، إذ أن لهذه الموارد أهمية بالغة، خاصة بالنسبة للبلدان النامية المعرضة بشدة لتداعيات تغير المناخ.
وكانت للاجتماعات السنوية بين الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي، آثار ملموسة ونتائج إيجابية لتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء، لمواجهة التحديات المشتركة، وتبادل الخبرات، وتبني أفضل الممارسات وتكييفها مع سياقاتها المحلية.
وشهد المؤتمر في دورته الـ21 في باريس ديسمبر 2015، تبني 197 دولة "اتفاق باريس" لمواجهة تغير المناخ وآثاره السلبية، والهادف للحد بشكل كبير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، والحد من زيادة درجة الحرارة العالمية في هذا القرن إلى درجتين مئويتين.
وقد شكلت الدورة الثامنة والعشرون لمؤتمر الأطراف (COP28) في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، علامة فارقة تاريخية، حيث تم التوصل لأول مرة إلى اتفاق عالمي يقضي بضرورة الابتعاد عن الوقود الأحفوري. هذا الإنجاز يؤكد الإجماع الدولي على أهمية التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة والممارسات المستدامة، وهو أمر حيوي للبلدان الأكثر تأثرا بالانعكاسات السلبية لتغير المناخ.
وتعد استضافة جمهورية أذربيجان للدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر الأطراف (COP29) إنجازا يضاف إلى سجل دول العالم الإسلامي في مجال العمل المناخي، حيث تستضيف دول الإيسيسكو الأعضاء المؤتمر للمرة الثالثة على التوالي (بعد جمهورية مصر العربية والإمارات العربية المتحدة)، وتعكس هذه الاستمرارية التزام الدول الأعضاء في المنظمة بتكثيف الجهود لمعالجة قضايا تغير المناخ وتعزيز التنمية المستدامة في المنطقة.
-من منظوركم، كرجل علم وأكاديمي، ما مدى استعداد أذربيجان للنجاح في هذا المسعى والتعامل مع متطلبات الحدث؟ ... وما دور العلم والمعرفة في المساهمة لتحقيق أهداف القمة المرجوة؟
أود أن أؤكد على ثقتي الكاملة ويقيني التام بنجاح جمهورية أذربيجان في تنظيم هذا المحفل الدولي الكبير، لما تتمتع به من قدرات تنظيمية هائلة أهلتها لكسب ثقة المجتمع الدولي في تنظيم واستضافة الحدث الدولي الأكبر المعني بمجابهة التغيرات المناخية التي تعصف بالعالم.
ولم يكن هذا هو الموعد الأول للعاصمة باكو مع الأحداث الدولية التي تنظمها وتستضيفها وتشهد حضورا رفيع المستوى لزعماء وملوك ورؤساء دول، حيث تمتلك سجلا مشرفا من تنظيم واستضافة المؤتمرات والمحافل الدولية بنجاح تام، لما تذخر به من رأسمال بشري وتقني متميز، وهو ما يجعلها دوما محط أنظار العالم.
وفي هذا الصدد أتوجه بأسمى عبارات الشكر والتقدير لفخامة الرئيس إلهام علييف، على دعمه المتواصل لأنشطة ومبادرات الإيسيسكو، ليس فقط على مستوى الوطني بل على مستوى العالم الإسلامي، وكان آخر تجسيد لهذا الدعم الكريم، حرص أذربيجان على مشاركة المنظمة في أعمال مؤتمر (كوب 29)، الذي تستضيفه باكو خلال شهر نوفمبر 2024، بجناح خاص في المنطقة الزرقاء، وبدعم كبير من قبل جهات الاختصاص الأذربيجانية.
وسيشهد الجناح العديد من الأنشطة والجلسات والنقاشات العلمية بصفة يومية، للتعريف بجهود ومبادرات الإيسيسكو في مجال البيئة بالعالم الإسلامي، وإبراز العلاقة بين التغيرات المناخية وحفظ وتثمين التراث بالعالم الإسلامي، واستعراض مبادرات الإيسيسكو المبتكرة في هذا المجال.
وأود أن أشير إلى أن مشاركة الإيسيسكو بهذا الحجم غير المسبوق في القمة الدولية، تم الترتيب لها بين المنظمة والجهات التنظيمية في أذربيجان، من خلال عقد عدة اجتماعات ولقاءات رفيعة المستوى، حيث لمست بشكل شخصي خلال التحضيرات للقمة حرص السلطات الأذربيجانية على ضمان مشاركة متنوعة لعدد كبير من أصحاب المصلحة، من أجل إنشاء فضاء دولي للنقاش البيئي وإيجاد حلول للتحديات المناخية.
وفي سياق انعقاد مؤتمر (كوب 29)، لا يشكل العلم والمعرفة مجرد عنصرين داعمين؛ بل يشكلان اللبنات الأساسية التي ستمكننا من فهم تغير المناخ والتخفيف من آثاره والتكيف معه بشكل ناجع.
وفي هذا الصدد، ستنظم الإيسيسكو، إلى جانب شركائها، حدثا كبيرا يوم 16 نوفمبر 2024، بعنوان "تعزيز الأمن المائي والتنوع البيولوجي والسلام من خلال الابتكار ورصد الأرض"، لتسليط الضوء على دور الابتكار العلمي وتكنولوجيا رصد الأرض في معالجة بعض القضايا البيئية الملحة التي نواجهها اليوم.
- أي دور تلعبه الإيسيسكو وهي تضع ضمن أولوياتها برامج تسعى لخدمة قضايا المناخ والبيئة بشكل عام، وانطلاقا من الأبعاد العلمية والتربوية المتكاملة التي تتميز بها ثقافة العالم الإسلامي؟
تعمل منظمة الإيسيسكو رفقة شركائها على المساهمة في تحقيق الأهداف البيئية المشتركة، وتوظيف التعليم والبحث العلمي والابتكار، لإيجاد حلول للمشاكل المناخية التي تواجه البشرية، حيث تطور وتنفذ المنظمة مبادرات وبرامج ومشاريع مبتكرة في مجال حماية البيئة، من خلال تعزيز القدرات المؤسسية والبشرية، عبر تنظيم ورش تدريبية في عدة مجالات من قبيل: الطاقة المتجددة، والتصحر، والتخفيف من آثار ومخاطر الكوارث الطبيعية، وإدارة الموارد المائية والزراعة الذكية.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، أطلقت الإيسيسكو برنامج المدن الذكية والمستدامة والمرنة في دول العالم الإسلامي، الذي يهدف إلى تعزيز هذه المفاهيم في الدول الأعضاء، وحوكمة استخدام الموارد الطبيعية، وتعزيز الاستفادة من الطاقات المتجددة، وبرنامج المنظمة لتحسين خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة في 1000 مدرسة ريفية في العالم الإسلامي، والذي استفادت من مرحلته الأولى كل من المملكة المغربية، وجمهورية الكاميرون، وجمهورية السنغال، وجمهورية مالي، وجمهورية أوغندا.
بالإضافة إلى ذلك، تم تنظيم مسابقة لتطوير عملية تحويل النفايات العضوية إلى ألواح غذائية لبلوغ الأمن الغذائي، تحقيقا للهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة، الهادف إلى القضاء على الجوع، عبر توظيف الإمكانات الحديثة لتقديم حلول مبتكرة، بهدف تحقيق الأمن الغذائي ومواجهة التحديات البيئية في آن واحد.
كما أطلقت الإيسيسكو برنامجها لإنتاج 500 ألف شتلة في دول العالم الإسلامي، وقد حقق المشروع نجاحا كبيرا في كل من موريتانيا وتوغو وغامبيا، حيث تمت زراعة آلاف الشتلات وإعادة تشجير وتأهيل مساحات شاسعة من الأراضي المتدهورة.
وإيمانا من الإيسيسكو بالدور المحوري للشباب في قيادة جهود مواجهة التغيرات المناخية، عقدت المنظمة مؤخرا ممثلة بمكتبها الإقليمي في الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، معسكرا لتدريب مجموعة من الشباب، ينتمون إلى عدد من دول العالم الإسلامي، على القيادة في مجال المناخ، بهدف تعزيز قدراتهم في تطوير وتنفيذ مشاريع مبتكرة بمجال العمل المناخي، والمساهمة في بناء جيل من القادة الشباب قادر على مواجهة التحديات المناخية التي تهدد مستقبل العالم.
- ما آمالكم من مؤتمر الأطراف (كوب 29)؟
نتطلع من خلال مؤتمر الأطراف (كوب 29) إلى تحفيز طموح البلدان المشاركة في تحقيق أهدافها المناخية، وتعزيز الالتزام المتجدد لمعالجة أزمة المناخ، بالإضافة إلى إنشاء آليات أكثر سهولة لتمويل البرامج المتعلقة بالمناخ، ويبقى أملنا من خلال التعاون الدولي وتعزيز المسؤولية المشتركة، ومواصلة العمل مع الدول في جميع أنحاء العالم، تنمية القدرة على الصمود في وجه تغير المناخ، والسعي نحو مستقبل مستدام.
وآمل بالطبع أن تتوافق الدول الأعضاء في الاتفاقية على تحديد الأهداف الكمية الجماعية الجديدة لما بعد عام 2025، والاتفاق على هدف تمويل جديد يحل محل التزام الدول الغنية الحالي بتقديم 100 مليار دولار سنويا لمساعدة الدول النامية على التكيف مع تداعيات التغييرات المناخية، حيث تفرض التحديات المناخية الراهنة مضاعفة قيمة هذا الدعم عدة مرات.
وخلال جلسات المؤتمر وأنشطته المختلفة ستعمل الإيسيسكو على المساهمة في بناء إجماع دولي على المبادرات الطموحة التي أعلنتها رئاسة المؤتمر وتشمل تدشين صناديق جديدة، وتعهدات، وإعلانات هامة بشأن جهود مكافحة التغييرات المناخية.
وخلال الفترة التحضيرية عملت المنظمة على ضمان أكبر حضور لدول العالم الإسلامي في (كوب 29)، بالإضافة إلى ممثلين عن الهيئات والمؤسسات الشريكة للإيسيسكو حول العالم، لإغناء النقاشات والجلسات العلمية للمؤتمر، وتحقيق أهدافه الطموحة.