سياسة
إسهام علمي كبير في دراسة الفكرة الوطنية الأذربيجانية
صدور كتاب للأكاديمي رامز مهدييف مكرس لمسائل تشكل الفكرة الوطنية
باكو، 13 مارس (أذرتاج).
كانت ولا تزال الفكرة الوطنية عنصرا محوريا في جميع العصور في النظام الاجتماعي السياسي والثقافي العرقي المعقد الذي عاش فيه الشعب. تسعى كل الشعوب الى الادراك الذاتي بشكل أعمق بقدر المستطاع وتفهم أفكار أجدادهم ومعرفة مسيرة الأحداث التاريخية التي أدت الى نشأة الوحدة الوطنية الاجتماعية الثقافية السائدة حاليا.
أفادت أذرتاج ان التكوين الإثنيّ للأذربيجانيين موضوع دراسات لدى العلماء المحليين والأجانب على السواء. لكن الدراسات المتعلقة بجوانب مختلفة لهذا الموضوع لم تتناوله بشكل منهجي. لذا، يمكن القوم بكل يقين ان كتاب رئيس ديوان الرئاسة الأذربيجانية الأكاديمي رامز مهدييف دراسة جديدة عن أصل الشعب الأذربيجاني ونشأته وتشكل الفكرة الوطنية. صدر المجلد الأول من الكتاب في دار الطبع "ستوليتسا" والمجلد الثاني في دار الطبع "بوليتيجيسكايا انسيكلوبيديا" بموسكو في روسيا. ويمكننا القول دون مبالغة ان قيام المؤلف بدراسة هذه المسألة الأكثر تعقيدا في ظل الرؤية التاريخية الفلسفية يجعل الكتاب فريدا من نوعه ونادرا. يدرس الأكاديمي مهدييف تشكل الفكرة الوطنية بدءا من أسس نشأة الشعب الأذربيجاني ويتناول أحداثا تاريخية لعبت دورا مهما في هذه العملية الأكثر تعقيدا.
أهمية وعي التاريخ في تشكل الفكرة الوطنية
يسمى الكتاب الأول للأكاديمي رامز مهدييف بـ"فائدة وعي التاريخ في تشكل الفكرة الوطنية". شدد العالم على الأهمية الحيوية لتعريف المفاهيم التي تشكل أساس الوعي الوطني وعمل بكدّ على شرح الفكرة الوطنية. يؤكد المؤلف في مقدمة كتابه الأول ان مجرد واقع وجود دولة مستقلة هو مبرر ان تتجه الرؤية الفكرية لأذربيجان نحو "الفكرة الوطنية" باعتبارها مجموعة أولوية للمثل العليا والتوجهات الأيدولوجية والقيم الهادفة الى بحث معنى وجود المجتمع الاذربيجاني، كذلك بحث جواب على أسئلة "كيف يجب ان تكون هذه الفكرة وما هي ماهيتها وهدفها ومضمونها وعلى ماذا تعتمد؟".
ويؤكد المؤلف خاصة ان كل هذه الأسئلة تتطلب جوابا علميا. وهو يثق في ان يمكننا الا بعد ذلك تحديد الفكرة الوطنية التي ستنور طريقنا نحو المستقبل. ويكتب الأكاديمي: "ان الفكرة الوطنية معنى المجتمع والدولة. بدون هذا المعنى لا مستقبل للمجتمع والدولة على السواء، وانهما محكوم عليهما بالزوال في التاريخ".
ان هذه الدراسة الفريدة من نوعها، قبل كل شيء تتميز بتناولها غير التقليدي للموضوع المهم جدا. ولا يتبع المؤلف طريق الباحثين الذين يدرسون تاريخ الشعب الأذربيجاني ونشأة الدولة الأذربيجانية. وهو يسلط الضوء على جوانب عدة لعملية التكوين الاثني للشعب الاذربيجاني من منظور جديد. ويطبق الأكاديمي رامز مهدييف منهجية دراسة أنثروبولوجية ووراثية جينية لأول مرة للتصور الواضح والوعي العميق لمراحل تشكل الفكرة الوطنية. يعد العالم ان ثمة حاجة قبل كل شيء الى دراسة شاملة للوقائع التاريخية، اذ لا يمكن المعرفة الكاملة للماهية الثقافية الاثنية للشعب دون معرفة المزايا التوعوية للوقائع التاريخية. ويكتب العالم: "التاريخ فلسفة تعلّم بمساعدة النماذج. ويكفي النظر في البيئة المحيطة لرؤية مدى التأثير اليومي لقوة النموذج. ويجب الاستبطان لكشف سبب قوة النموذج".
في حديثه عن التكوين الاثني والجذور الاثنية للشعب يشير الأكاديمي الى انه لا يمكن دراستها دون اللجوء الى مواد انتروبولوجية. "ان الوقائع الانتروبولوجية وحدها تعتبر أساسا مهما لتحديد الطبقات الاثنية التي تتشكل منها المجموعة الاثنية وبعد ذلك الأمة." ويقدم المؤلف معلومات قيمة في هذا الموضوع توضح الخصائص الانتروبولوجية وكذلك الاثنية للشعب الاذربيجاني. ويجب الذكر خاصة ان الكتاب يحتوي معلومات كثيرة عن الأنواع الانثروبولوجية للشعوب القوقازية والخصائص السيكولوجية للأعراق المختلفة والصفات الوراثية في الإنسان.
وأهمية هذا الكتاب تكمن أيضا في انه يضع امام العلم الاذربيجاني مهاما دقيقة لدراسة التكوين الاثني. ويشدد الأكاديمي على ضرورة العمل على دراسة أنثروبولوجيا الشعب الأذربيجاني وبنيته الوراثية الجزيئية، و باليو أنثروبولوجيته وسيكولوجيته الاثنية، ودور البيئة الطبيعية الجغرافية. ان كل هذه المعلومات ضرورية للغاية للاستنتاجات العلمية عن التكوين الاثني للشعب الاذربيجاني.
كما يتناول الكتاب اهم مراحل تشكل الفكرة الوطنية للشعب الاذربيجاني. تدرس مصادر تشكل الفكرة الوطنية في أذربيجان في حين شهدت محاولات لطمس الهوية القومية للشعب في القرنين التاسع عشر والعشرين وفي العهد السوفييتي.
يسلط المجلد الأول للكتاب على نشاط الزعيم القومي حيدر علييف لأجل التنمية الاقتصادية الاجتماعية والثقافية والمعنوية لأذربيجان في العهد السوفييتي. حسب رأي المؤلف، ان عبقرية شخصية حيدر علييف تكمن في انه كان يعالج في أجواء نظام الشمولية الشيوعية المسائل الاجتماعية التي تقود الامة الى التنمية المقبلة. يدعو رامز مهدييف الى عدم نسيان دور الشخصية في تحقيق الأهداف النبيلة والأفكار الوطنية ويقول: "لا يمكن النظر في مسائل الفكرة الوطنية الأذربيجانية بمجرد الاحكام... ان مسائل تشكل الفكرة الوطنية والنضال من أجل تحقيقها تستند على حل القضايا اليومية للمجتمع وضمان ظروف معيشية حسنة للناس ومدى استعدادهم المعنوي والأخلاقي للعمل لأجل تحقيق هدف منشود".
كذلك تتطرق العالم الى مسألة التكوين الإثني للأرمن الذين يقومون بتحريف حقيقة أصلهم مع ربط جذورهم بالشعوب غير القريبة منهم بالكامل وكذلك ينشرون معلومات كاذبة عن التكوين الإثني للأذربيجانيين. ان الكتاب يعرض ايضا الوقائع التاريخية المقنعة التي قالها المؤرخون الأرمن والباحثون الأجانب على السواء والتي تفضح مدرسة تاريخ الأرمن الزائف.
سيجد القارئ في هذا الكتاب معلومات عن سبب نشوب النزاع في قراباغ ومحاولات الأرمن باستخدام الأكاذيب لإقناع القيادة السوفييتية والمجتمع العلمي بـ"انتساب" قراباغ الجبلي" لـ"أرمينيا الكبرى" المزعومة ودعمها من قبل القيادة السوفييتية حينذاك من خلال تقاعسها المطلق.
الفكرة الوطنية الأذربيجانية في عهد التحولات العالمية
اما المجلد الثاني لكتاب الأكاديمي رامز مهدييف فيسمى "الفكرة الوطنية الأذربيجانية في عهد التحولات العالمية". كرس هذا المجلد لتحليل مسألة تأسيس الدولة الأذربيجانية المستقلة الأخيرة في نهاية القرن العشرين.
في المجلد الثاني للكتاب يتم تحليل الاحداث الجارية في السنوات الأولى من استقلال أذربيجان والخواص البنيوية لبناء الدولة ويتم النظر في عناصر رئيسية ضرورية لتشكل الفكرة الوطنية وبناء الدولة.
يدرس الأكاديمي رامز مهدييف المسألة دراسة علمية مشيرا الى مدى صعوبة صون مقومات الدولة والاستقلال والقيم الوطنية. ويظهر العالم بشكل مقنع ان عودة الزعيم القومي حيدر علييف الى سدة الحكم في السنوات الأولى من استقلال أذربيجان انقذت البلد من الزوال وحددت مستقبله. يكتب المؤلف: "كان حيدر علييف يملك تصورا دقيقا عن طريق ضروري مستقبلي لاذربيجان ولذا طرح مفهوما يحتوي على حل 3 مسائل: الأول هو إحلال الاستقرار السياسي في البلد، والثاني هو انتهاج السياسة الخارجية المتعددة المحاور والثالث هو تنفيذ استراتيجية النفط التي تشكل أساس السياسة الاجتماعية الاقتصادية الهادفة الى تطوير البلد والنهوض به الى مراكز أولية في العالم".
في رأينا، فإن التعرف على الوثائق التي توضح العديد من العمليات السياسية الخفية التي تكسب أهمية جيوسياسية في ظل وجود الدول القوية في المنطقة قد يثير اهتمام القراء.
يتبع المؤلف منهجية التمييز بين مراحل تشكل الفكرة الوطنية الأذربيجانية ويعطي تصويرا واسعا للأحداث السياسية التي أثرت على الهوية الوطنية في تلك الفترة.
يعرب الأكاديمي رامز مهدييف عن قناعته من وجود انتقال بلدنا الى مجتمع تقني جديد نوعيا في عصر التحولات العالمية، واعتماده على الشباب الابتكاري.
"في دولة يشكل فيها الشباب السليم والابتكاري الأغلبية فرص أكثر للتنمية الديناميكية للاقتصاد وتطوير المرافق الحيوية في المجتمع. ان الابتكار يعني الابداع وتغيير النموذج وانشاء الجديد. لا يمكن عملية بناء مجتمع القرن الواحد والعشرين في أذربيجان ألا تراهن على قدرات إبداعية للشباب المبتكرين."
يشير المؤلف الى ان مرحلة التنمية الجديدة التي انطلقت عام 2003 تستمر اليوم للتحديث الشامل للبلد من قبل الدولة. ان انشاء رأس المال البشري الاذربيجاني تحت قيادة الرئيس إلهام علييف يهدف الى هذا من خلال تطبيق آخر مستجدات علمية وأحدث التكنولوجيا وأساليب الإدارة الجديدة. يقدم المؤلف تعريفا لطرق تشكل النخبة المبتكرة الوطنية وللطبقة الإبداعية. واتجه ممثلو هذه الطبقة الى الابتكارات والتنمية الاقتصادية.
والعالم على ثقة في ان أذربيجان تملك موارد ضرورية للحفاظ على طريقها التنموية الوطنية في عصر العولمة. اما تعزيز سلطة الدولة تعزيزا كبيرا فتضمن تحقيق الفكرة الوطنية في الوقت المعاصر.
ويعرب الأكاديمي رامز مهدييف عن قناعته العميقة بان الشعب الاذربيجاني سيستمر في السير في طريق التنمية الاقتصادية الاجتماعية وحل القضايا الوطنية بناء على متطلبات القرن الواحد والعشرين، بفضل الحكمة السياسية للرئيس إلهام علييف.
ويؤكد المؤلف: " ان طريق البناء هذا سيؤدي بأذربيجان الى مجتمع ما بعد الصناعي. اما انشاء مجتمع ما بعد الصناعي فهو هدف رئيسي للشعب الاذربيجاني في القرن الواحد والعشرين."
ان هذا الكتاب بالمجلدين يهم الفلاسفة والمؤرخين وعلماء الاجتماع وعلماء السياسة وكذلك الأشخاص الذين يتابعون آخر مستجدات في العلوم الإنسانية وجميع المهتمين بنظريات التنمية الاجتماعية.