سياسة
تحقيق أذرتاج حول قرار التحكيم المولود ميتا للرئيس الامريكي ويلسون
باكو، 3 مايو، أذرتاج
الجمهور الأرميني في الانترنت في الأيام الاخيرة يشارك مشاركة فاعلة وبجد خاص مقطعا من خطاب المحللة السياسية الموسكوفية كارينه كيفوركيان تتحدث فيه عن أن اعتراف الرئيس الامريكي جوزيف بايدن بما يسمى بمجزرة أرمينية كأنه خطوة اولى في سبيل انعاش قرار التحكيم في الحدود التركية الأرمينية للرئيس الامريكي توماس وودرو ويلسون خلال فترة رئاسته 1913-1921م.
تقدم اليوم وكالة أذرتاج تحقيقا تاريخيا موجزا يتضح منه بكل وضوح وجلاء أن قرار التحكيم للرئيس الامريكي ويلسون كان مولودا ميتا منذ لحظة ظهور فكرته!
نعم نمشي خطوة خطوة. وهنا من الواجب تسجيل التواريخ والتتابع الزمني لأنها مهمة جدا.
1- الامبراطورية العثمانية خاسرة في الحرب العالمية الاولى وحكمة السلطان توقع في 30 اكتوبر عام 1918م على هدنة مودروس. والوثيقة كانت هدنة وما فيها شيء في حينها يمكن أن يدل على انشاء دولة أرمينية في الولايات الشرقية للامبراطورية العثمانية.
2- نواصل. كانت البلاد الفائزة (دول الوفاق) خلال 1919-1920م تاقش في مؤتمر باريس للسلام مستقبلا ما بعد الحرب. وشاركت فيها 27 دولة وطبعا ما كان بينها وفود الحكومة السلطانية التي وقعت على هدنة مودروس ولا الجنرالات الأتراك الكماليين الذين رفضوا وما اعترفوا بهذه الهدنة المهينة. وبالتعبير الاخر كان في مؤتمر باريس يجري لقاء ضيق النطاق الودي للفائزات في غياب الدول الخاسرة ذلك اللقاء الذي ما كان يلزم الدول الخاسرة بشيء في حينها. ولا اتفاقيات او معاهدات للسلام تحمل امضاء السلطان تحتها ايضا.
3- في سير ونتائج اعمال مؤتمر باريس للسلام عقدت عدة اتفاقيات للسلام مع البلاد الخاسرة وهي:
3-1- معاهدة فرساي بين الفائزات وألمانيا 28 يونيو 1919م
3-2- معاهدة سان جرمان بين الفائزات والنمسا 10 سبتمبر 1919م
3-3- معاهدة نويي بين الفائزات وبلغاريا 27 سبتمبر 1919م
3-4- معاهدة تريانون بين الفائزات وهنغاريا 4 يونيو 1920م
3-5- وفي نهاية المطاف، معاهدة سيفر بين الفائزات وحكومة الامبراطورية العثمانية 10 اغسطس 1920م.
ويجب الذكر هنا كملاحظة مهمة أن جميع هذه المعاهدات أبرمت فيما بعد من قبل البرلمانات القومية ودخلت حيز التنفيذ ما عدا معاهدة سيفر الموقع عليها من قبل الحكومة السلطانية وحدها للامبراطورية العثمانية التي كانت في حينها من المعترف بها على المستوى الدولية في اسطنبول والمرفوضة من قبل حكومة مصطفى كمال أتاتورك في أنقرة غير المعترف بها آنذاك من قبل طرف ما. يعني أن البلد كان في ازدواجية السلطة التي انتهت في 1 نوفمبر 1922م عندما حلت السلطانية واصبحت حكومة أتاتورك ذات شرعية وحدية في البلد. معاهدة سيفر التي لم تبرم من قبل احد سوى اليونان لم تدخل حيز التنفيذ وارسلت الى مزبلة التاريخ من قبل معاهدة لوزان للسلام الجديدة المؤرخة في 24 يوليو 1923م الموقع عليها من قبل الحلفاء مع حكومة أتاتورك هذه المرة وهذا الامر له تابع أسفله.
4- على الرغم من أن معاهدة سيفر تولدت ميتا وما كان لها من اية نتائج فيما بعد فمن المنطقي على كل حال النظر في محتواها. ويهما ملموسا شرطها الواحد الذي توافق الامبراطورية العثمانية معها لإنشاء دولة أرمينية جديدة على اراضيها الشرقية يحدد حدودها بقرار التحكيم الرئيس الامريكي توماس وودرو ويلسون. وما كان ذلك قرارا فوريا بل كانت البلاد الفائزة تمشي نحوه على مدار الاشهر السابقة عندما كانت مسألة انشاء أرمينيا في اراضي الامبراطورية العثمانية الشرقية تحت انتداب وودرو ويلسون مطروحة على بساط البحث في مؤتمر باريس للسلام بين بلدان الوفاق وفي غياب حكومة السلطان طبعا وحدودها كان عليها أن ترسم من قبل ويلسون المذكور. وكان رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج بذل جهودا كبيرة لاقناع الرئيس ويلسون أن يأخذ على عاتقه هذا الانتداب. وفضلا عن ذلك عقد في مدينة سان ريمو الايطالية مؤتمر المجلس الاعلى للدول الفائزة خلال 19-26 ابريل 1920م الذي توجهت الفائزات فيه رسميا الى الولايات المتحدة الامريكية أن تأخذ على عاتقها الانتداب على أرمينيا المستقبلية (ما زالت مستقبلية في حينها) والى الرئيس الامريكي أن يحدد حدودا لها عن طريق التحكيم. وهو وافق في نهاية المطاف. وهذا البند هو الذي ادرج في نص معاهدة سيفر.
5- ولكن الامر الاهم الذي ما زال الارمن صامتون بحقه بالصمت الخزي: مجلس الشيوخ الامريكي رفض تفويض الولايات المتحدة الامريكية على أرمينيا في 1 يونيو 1920م، أي، بعد مؤتمر سان ريمو ولكن قبل توقيع معاهدة سيفر وبالتالي كان حق الرئيس الامريكي ويلسون في التحكيم لتحديد الحدود مرفوضا! وهذا هو الذي يصمت بحقه الخبراء الارمن صمتا كاملا!
6- وعندما في 10 اغسطس كانت معاهدة سيفر قيد التوقيع عليها التي كانت تتضمن اوضاع الانتداب على أرمينيا والتحكيم الرئاسي وكان الرئيس ويلسون قدم قراره للتحكيم في 22 نوفمبر والمصدق عليه بختم الولايات المتحدة الامريكية الحكومي ولكن كل هذا ما كان له قوة قانونية بداهة لأنه سبقه رفض مجلس الشيوخ الامريكي الانتداب على أرمينيا. وحدث حدث قانوني منقطع النظير!
7- ويطرأ سؤال لماذا قام الرئيس ويلسون وهو على علم بأن مجلس الشيوخ رفض له في الانتداب بهذه الخطوة التي لا معنى لها على الاطلاق وقدم قرارا تولد ميتا مسبقا؟ والامر يعود الى أن الحكومة الارمنية في سبتمبر 1920م بعد مضي شهر على توقيع معاهدة سيفر كما يبدو اصبحت مستوحاة بتوقيع هذه المعاهدة حتى لم تنتظر ابرامها وقبل قرار التحكيم للرئيس ويلسون المرتقب قررت بـ "قبض واغتصاب" اكثر من الاراضي (ويمكن أن تؤثر فيما بعد على حدود ويلسون القادمة) واعلنت الحرب على تركيا. والحرب دارت من 24 سبتمبر الى 2 ديسمبر 1920م ووضعت اوزارها بمعاهدة غومري المخزية لارمينيا. ولكن المفارقة كلها كانت في أن الاتراك كانوا يعيشون آنذاك في ظروف ازدواجية السلطة حيث أن معاهدة سيفر كانت موقعا عليها من قبل الحكومة السلطانية ولم تكن معترفا بها من قبل حكومة أتاتورك في انقرة ومعاهدة غومري التي كانت تنقض بالفعل شروط معاهدة سيفر وقع عليها من قبل حكومة أتاتورك بعد مضي 3 اشهر. وعندما كانت هزيمة الجيش الأرميني امرا واضحا تسارع الرئيس ويلسون تقديم قراره للتحكيم كي تمكن من تأثير ما على سير الحرب ويمارس ضغطا نفسانيا على الاتراك. طبعا، أن الضغط لم يحدث لا نفسانيا ولا قانونيا وذلك علما بأن وثيقة التحكيم المقدمة من قبل الرئيس ويلسون لم تكلف لا ورقا وحبرا مستخدمين لتحريرها بعد أن رفض مجلس الشيوخ الامريكي التحكيم الامريكي على أرمينيا.
8- وما يتبعه من الاحداث تسير بساطة جدا. وعلى الفور عقب معاهدة غومري اصبحت أرمينيا سوفييتية وفي مارس 1921م توقع حكومة أتاتورك مع روسيا السوفييتية على معاهدة موسكو وفي اكتوبر على معاهدة قارص المصدق عليها بتوقيع أرمينيا السوفييتية نفسها. وتوضع نقطة كبيرة على مسألة حدود أرمينية تركية.
9- في 1 نوفمبر 1922م انتهت ازدواجية السلطة في تركيا. السلطان يغادر البلد وحكومة أتاتورك تصبح بوحدها في جميع اراضي البلد.
10- وفي 30 ديسمبر 1922م يتشكل اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية. أرمينيا السوفييتية يقف وجودها كدولة ذات السيادة وتنضم الى تركيب الدولة الاتحادية.
11- وفي 24 يوليو 1923م توقع الدول الفائزة دول الوفاق المنتصرة في لوزان مع تركيا على معاهدة جديد تلغي بحكم القانون معاهدة سيفر (التي كانت لا تعني شيئا قبلها ولم تبرم من قبل احد سوى اليونان). وبين الدول الموقعة على معاهدة لوزان توجد اليونان ايضا. ولا توجد أرمينيا بين الموقعات لأن مثل تلك الدولة لا توجد الى حينها. وأما الدولة التي كانت توجد في زمن ما فوقعت مع تركيا كما نفهم على معاهدة قارص. وحسب شروط معاهدة لوزان والى جانب سائر البنود، تعدل دول الوفاق عن طلب حكم ذاتي للارمن على اراضي تركيا. والسلام فإن القضية الأرمينية تعدّ مغلقا نهائيا! والمعاهدة ابرمت فيما بعد من قبل جميع الدول الموقعة عليها سوى مملكة الصرب والكروات والسلوفينيين التي لم توافق مع تقسيم ديون الامبراطورية العثمانية مع الاتراك. ولا بأس!
12- وبجانب أرمينيا التي وقفت وجودها الى هذه الفترة ما كانت بين الموقعات على معاهدة لوزان دولة الولايات المتحدة الامريكية ايضا التي كانت تشارك في المؤتمر بصفتها مراقبة.
13- ولكن اقامة العلاقات الدبلوماسية عام 1927م بين الولايات المتحدة الامريكية وجمهورية تركيا كانت تعني بحكم القانون انسحاب واشنطن من معاهدة سيفر (مع الوضع المتولد ميتا حول الانتداب وقرار الرئيس للتحكيم طبعا) الموقع عليها من قبل الحكومة السلطانية التي ما كانت توجد الى حينها وزد عليه أنها لم تبرم من قبل الولايات المتحدة الامريكية نفسها ايضا.
وهاكم كل ما يجب علمه بشأن قرار التحكيم للرئيس الامريكي توماس وودرو ويلسون. وعن معاهدة سيفر تلك الوثيقة الوحيدة التي كانت تتضمن موافقة الاتراك مع قرار التحكيم للرئيس الامريكي قد امتنع الجميع. والارمن انفسهم ايضا الذين وقعوا مع تركيا على معاهدة قارص والاتراك انفسهم ايضا الذين وقعوا على معاهدة لوزان وكذلك الامريكان انفسهم الذين لم يبرموا معاهدة سيفر والذين ما كان لهم الحق في الابرام على الاطلاق حيث انها كانت تتضمن اوضاعا لم تلق ابراما من قبل مجلس الشيوخ الامريكي.
وكل الاقاويل المتداولة اليوم حول "سريان مفعول قرار التحكيم للرئيس الامريكي توماس ويلسون خاصة من اقواه المحللين السياسيين الموسكويين الذين يتظاهرون عقلاء ويتحدثون بلهجة واثقة ذوي اسماء العائلات المنتهية بـ "يان" لا هدف لها سوى إرباك الاشخاص العاديين.
النتيجة
قرار التحكيم الذي يحمل قوة قانونية تلزم الاطراف بقبولها بالضرورة يصدر على اساس موافقة الاطراف المتنازعة وتفويضها الحكم الموحد والموفق عليه لاصدار مثل هذا القرار وليس على موضوع فارغ لا يهم احدا. والوثيقة القانونية التي كانت تتضمن موافقة الاطراف مع التحكيم كانت معاهدة سيفر التي لم تلق الى النهاية ابراما من قبل احد سوى اليونان ولم تدخل حيز التنفيذ أبدا. وبالتالي، فإن ما يسمى بقرار التحكيم الصادر عن الرئيس الامريكي توماس وودرو ويلسون في نوفمبر عام 1920م لم يتضمن اساسا قانونيا وما كان له من نتائج قانونية. وعقد معاهدة لوزان فيما بعد قد دفن نهائيا معاهدة سيفر غير المبرم ابدا واما نهاية ازدواجية السلطة في الامبراطورية العثمانية وإعلان تأسيس جمهورية تركيا واقامة العلاقات الدبلوماسية بين جمهورية تركيا والولايات المتحدة الامريكية قد وضعت نقطة نهائية على هذه القضية.