أخبار عالمية
اذربيجان بعد التعديلات الدستورية … ومسيرة الاصلاح السياسي
باكو، 27 أكتوبر / تشرين الأول (أذرتاج).
أدرجت صحيفة "المراقب العراقي" المعروف في العراق في صفحاتها مقالا للصحفي الكاتب العراقي المعروف د. معتز محي عبد الحميد
تحت عنوان " اذربيجان بعد التعديلات الدستورية … ومسيرة الاصلاح السياسي".
تبث اذرتاج نص المقال كما هي:
"في حياة كل دولة ديمقراطية دستورية، يُعد الدستور من ضرورات الحياة وديمومتها حيث تفرض دائما الدول الديمقراطية إدخال المزيد من التعديلات على النصوص التي كانت يوما ما صالحة للمجتمع ولكن واقع الحال يؤكد ان التغيرات السريعة في حياة كل أمة والتحولات المستمرة فيها يحتاج إلى تعديلات تكون أكثر استجابة لها . ومن هنا جاءت التعديلات الدستورية مؤخرا في اذربيجان لتعبر عن اهتمام الدولة بالتطلعات المستقبلية ونظرتها نحو التغيّر من أجل الاستقرار السياسي والاجتماعي . ولكن ليس هذا الحدث الاول في حياة دولة اذربيجان حيث سبقه تشريع دستور أذربيجان بعد الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي هو دستور عام 1995 الذي تم اعتماده في عهد الرئيس السابق حيدر علييف , وقد قدم حيدر علييف دستور عام 1995 للاستفتاء العام بعد انتهاء اللجنة المختصة بوضع الدستور من عملها , وقد تم اعتماد هذا الدستور رسميا ودخل حيز التنفيذ في السابع والعشرين من تشرين الثاني عام 1995. ويعتبر دستور حيدر علييف علامة مهمة على طريق الاصلاح السياسي في البلاد بعد الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي السابق , ومن أهم الملامح الاصلاحية التي حملها الدستور الجديد أن هذا الدستور قد نص على أن جمهورية أذربيجان هي جمهورية مستقلة , وأنها دولة ديمقراطية علمانية , وملتزمة بسيادة القانون , وينص أيضا على أن شعب أذربيجان هو مصدر كل السلطات وهو المصدر الوحيد لتلك السلطات, وينص الدستور كذلك على عملية التداول السلمي للسلطة , وذلك من خلال الانتخابات والاستفتاءات واعتماد الأليات الديمقراطية في عملية تداول السلطة , وأتاح أيضا تعديل الدستور من خلال هذه الأليات , وبالاضافة الى ذلك فقد أعطى هذا الدستور صلاحيات واسعة للسلطة التنفيذية وذلك مقارنة بالسلطتين التشريعية والقضائية . ويحدد الدستور في فصله الثالث جميع حقوق الانسان والحريات السياسية للمواطنين ويؤكد أهمية وجود المؤسسات الديمقراطية , وأن الهدف الرئيس للدولة هو ضمان وحماية تلك الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين , وبالتالي فإن العوامل الأساسية للدستور الديمقراطي قد توفرت في هذا الدستور , وعلى الرغم من ذلك فان التنفيذ العملي وتفسير هذه الحقوق يعتمد بشكل كبير على ارادة السلطة التنفيذية ووفقا لتقديرها .
مسيرة الاصلاح السياسي
وفي عام 2002 تمت تعديلات دستورية اخرى اثارت جدلا على الساحة الداخلية والخارجية , حيث ينص التعديل الدستوري على أنه في حالة موت الرئيس أو تنحيه خلال وجوده في مقعد الرئاسة يتم نقل صلاحيات الرئيس كاملة الى رئيس الوزراء بدلا من رئيس البرلمان حتى يتم اجراء انتخابات رئاسية في غضون ثلاثة أشهر , وأن المرشح يحتاج فقط الأغلبية البسيطة بدلا من أغلبية الثلثين للفوز في الانتخابات كما كان في النص الأول في دستور 1995 قبل التعديلات, وتنص التعديلات أيضا على الغاء نظام العتبة الإنتخابية الذي كان ينص على ضرورة اقبال 50% على الانتخابات كحد أدنى , ولكن التعديلات قد ألغت هذا الشرط, وكان هدف التعديلات الرئيس هو أن البلاد مازالت تحتاج الى المزيد من الاستقرار لذلك فإن نقل صلاحيات الرئيس في حالة وفاته أو تنحيه عن منصبه لرئيس الوزراء بدلا من رئيس البرلمان هي خطوة جيدة حتى يستطيع فرض الاستقرار ولتجنب الوقوع في انقسامات حزبية في حالة تولي رئيس البرلمان السلطة في حالة تنحي أو موت الرئيس .
وقد تم التعديل الدستوري الثاني في البلاد في اذار عام 2009 ويتيح هذا التعديل بالأساس فرصة الرئيس للبقاء في مقعد الرئاسة أكثر من ولايتين رئاسيتين بعد أن كانت محددة بمدتين فقط كل واحدة 5 سنوات وقد رأى العديد من المحللين داخل أذربيجان وخارجها أن فرصة الاستقرار السياسي والاقتصادي ستكون ضعيفة في حالة مجيء رئيس آخر غير إلهام علييف الذي قدم العديد من الإصلاحات وخاصة على الصعيد الإقتصادي والتي رفعت كثيرا من شأن المواطنين ولذلك فإن هذه التعديلات ستضمن الاستقرار طالما انها ستسمح للرئيس إلهام علييف أن يترشح مرة أخرى على مقعد الرئاسة , وبالإضافة الى ذلك لا نستطيع اغفال حالة النزاع بين أرمينيا وأذربيجان حول اقليم قاراباخ , والتي يرى المعظم أنه لا بد من وجود قيادة سياسية قوية تمتلك الدعم الشعبي من أجل الوصول الى تسوية سلمية تضمن عدم تكليف البلاد خسائر أخرى كما حدث في مطلع تسعينيات القرن الماضي عقب الاستقلال عن الإتحاد السوفيتي .
أهمية التعديلات الدستورية الأخيرة
أما التعديلات الدستورية الاخيرة التي جرت يوم 26 ايلول 2016 والتي وافق عليها الشعب الأذري بأغلبية كبيرة حيث لم تقتصر على مجرد تعديل في المواد الدستورية الموجودة، بل شملت إضافة مواد جديدة، من أبرزها إلغاء شرط الحد الأدنى لعمر المرشح للرئاسة المتمثل في 35 عاما وتخفيض الحد الأدنى لعمر المرشح لعضوية البرلمان من 25 عاما إلى 18 عاما ومنح رئيس الجمهورية صلاحية الدعوة للانتخابات المبكرة وتمديد فترة ولاية الرئيس لتصبح 7 أعوام بدلا من 5 أعوام وتعيين نائب أول لرئيس الجمهورية، تكون من صلاحياته تعيين نوابه وإقالتهم، مع تمتعه بالحصانة الكاملة، كما له كامل الصلاحيات حال غياب رئيس البلاد وبالنسبة للإرهاب تمت الموافقة على حظر تشكيل اتحادات وجماعات تمثل تهديدا للأمن القومي وان القائد الأعلى يقود جميع الأنواع من الوحدات المسلحة.
وعن أهمية هذه التعديلات أوضح السيد إيميل رحيموف القنصل العام في مصر قائلا: أن هذه التعديلات تأتي استجابة لتطلعات الشعب الأذري، ففي ظل تصاعد دور الشباب وأهمية إفساح المجال لمشاركتهم في الحياة السياسية، وإدراكا من القيادة الأذرية وتفهما من جانبها بأن مستقبل أي دولة مرهون بقدرات شبابها ومهاراتهم، ولذا قامت القيادة السياسية بتخفيض شرط السن للمشاركة في العمل السياسي وتحديدا في الترشح للانتخابات البرلمانية، أو منصب رئيس الجمهورية .
واكد قنصل أذربيجان أن هذه التعديلات تعد خطوة مهمة للغاية في مسيرة الإصلاح السياسي التي تنتهجها قيادة أذربيجان منذ استقلالها في بدايات تسعينيات القرن الماضي، وفي ظل احتفال البلاد بمرور ربع قرن على الاستقلال، إذ نجحت خلال هذه الفترة في إرساء دعائم دولة عصرية متقدمة في مختلف المجالات برغم التحديات الكبرى التي واجهتها، يأتي في مقدمتها الاحتلال الأرمني لما يقارب من 20% من أراضيها في إقليم “ناجورنو كاراباخ” والأقاليم المجاورة له .
أن القراءة المتأنية للمواد التي وافق عليها الشعب الاذري تؤكد ان هذه التعديلات لا تشمل الجانب السياسي فقط والتي استحوذت على النصيب الأكبر من الاهتمام داخليا وخارجيا ولكن هناك تعديلات على بعض المواد المنظمة للنشاط الاقتصادي بهدف توسيع مجالاته وجعلها أكثر جذبا للاستثمارات وأكثر تشجيعا للتبادلات التجارية بما يعود بالنفع ليس فقط على المواطن الأذري الذي يعد أداة التنمية وهدفها في الوقت ذاته، وإنما يعود بالنفع أيضا على اقتصاديات الدول الإسلامية ودول المنطقة بما يشجع على مزيد من الاندماج الاقتصادي.
وخلاصة القول أن مستقبل الاصلاح السياسي في أذربيجان وان كان يتوقف بشكل كبير على وجود دستور ديمقراطي يضمن فعالية هذه الاصلاحات, إلا أن العبء الأكبر لا يزال على السلطة التنفيذية التي ستضمن تنفيذ هذه التعديلات الدستورية وتفعيلها على ارض الواقع خدمة لمستقبل المواطن الاذري.