أخبار عالمية
ما هي أبعاد زيارة وزير الخارجية الإيراني الى أرمينيا؟
(طهران، 28 نوفمبر (أذرتاج
قام وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف اليوم بزيارة العاصمة الارمينية يرفان. تفيد وسائل الاعلام المحلية ان عددا من رجال الاعمال يرافق الوزير في زيارته هذه. سيلتقي الوفد الإيراني مع رئيس أرمينيا ورئيس وزرائه وسيعقد ملتقى اعمال إيراني ارميني.
تقدم الصحافة الارمينية هذه الزيارة كأن الهدف الوحيد في سياسة الخارجية الإيرانية هو تطوير العلاقات مع أرمينيا. فما هو المشهد الحقيقي؟ للرد على هذا السؤال فيجب شرح بعض النقاط.
التقى الرئيسان الأذربيجاني والإيراني 10 مرات خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة. وتبادلت الوفود الأذربيجانية والإيرانية الزيارات حوالي 100 مرة. وتم التوقيع على 40 وثيقة بين الطرفين. اجتمعت اللجنة الحكومية المشتركة 3 مرات. تعمل 538 شركة بالرأسمال الإيراني في المجالات المختلفة للاقتصاد في أذربيجان. وحجم الاستثمارات الإيرانية على اقتصاد أذربيجان 2.7 مليارات دولار امريكي. كذلك تعمل شركات من جمهورية أذربيجان في إيران. إيران احد الشركاء التجاريين المهمين لأذربيجان. سجل حجم التبادل التجاري بين البلدين زيادة بنسبة حوالي 70 في المائة في العام الماضي.
ان اتفاقية "خودافرين" وقيز قالاسي" و"اوردوباد" و"مارازاد" الموقعة بين أذربيجان وإيران قد دخلت حيز التنفيذ في كلا الطرفين. المرحلة الأولى من انشاء مشروع ممر النقل الدولي "الشمال- الجنوب" على وشك الإنجاز. سكة الحديد بطول 8.3 كم وجسر سكك الحديد جاهزة للاستعمال في الجانب الاذربيجاني. وتستمر اعمال انشاء سكة الحديد بطول 1.7 كم ومنشأة في إيران. واستكملت أكثر من 90 في المائة من الأعمال المقامة في سكة الحديد بين قزوين – رشت وهو جزء من ممر النقل الدولي، وستستكمل بالكامل في نهاية هذا العام. في العام الماضي تم تشغيل الخط الكهربائي موغان (بين ايميشلي وبارساباد) الذي تبلغ طاقته 330 كيلوواط ساعي. وتم التوقيع على اتفاقية اطارية حول بيع الطاقة الكهربائية. وتم وضع حجر الأساس لمصنع السيارات المشترك في منطقة نفطجالا الصناعية عام 2016 ومصنع الصيدلية المشترك في منطقة بيراللاهي الصناعية في يناير لهذا العام.
يتمكن مواطنو إيران من الحصول على تأشيرات الفيزا خلال 3 أيام ابتداء من مطلع عام 2017 نتيجة تسهيل إجراءات تقديم تأشيرات الفيزا. بناء على مرسوم الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، ستقدم تأشيرات الفيزا في المنافذ الحدودية وستزيد ساعات دوام العمل فيها، وستنشأ أشرطة خاصة لتسريع عبور السياح. كما تم التوصل الى اتفاق لزيادة عدد التراخيص المتبادلة في نقل البضائع الدولي لهذا العام الى 10 ألف ترخيص.
تدل الوقائع المشار اليها على ان إيران تنتهج سياسة براغماتية وتقدر بشكل صحيح الوضع الاقتصادي لدول المنطقة وامكانياتها.
فيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية بين أرمينيا وإيران فيجب الذكر ان الصحافة تعيد التركيز مرة أخرى على مشاريع انشاء سكك الحديد والطرق البرية، التعاون في مجال النقل. لكن الوضع يختلف تماما عما تقدمه وسائل الاعلام المحلية. كان قد أعلن الرئيس الأرميني سيرج ساركسيان قبيل الانتخابات ان سكة الحديد بين ارمينيا وايران ستنشأ قريبا. لكن الأعوام السبعة الماضية لم تشهد أي تقدم في هذا المجال وهذا ليس من الصدفة. ردا على تصريح ساركسيان، أعلن فلاديمير ياكونين رئيس شركة "سكك الحديد الروسية حينذاك ان إنشاء سكة الحديد من إيران الى أرمينيا عمل غير مفيد وغير مُجد. تصريح ياكونين هذا أمر لا يثير الاستغراب. إذ ان قرارا عن انشاء سكك الحديد بين البلدين قد يتخذ في موسكو و لا في يرفان بسبب ان سكة الحديد لأرمينيا قد اشترتها روسيا وهي في ملكيتها. من ناحية أخرى، لا تطل أرمينيا على البحار وليست لها حدود برية مع روسيا. وروسيا ركزت اهتمامها على المشروع الاجدى لها وهو ممر النقل الدولي "الشمال – الجنوب" وانشاء سكة حديد قزوين- رشت – أسطارا (الإيرانية) – أسطارا الأذربيجانية كجزء يشكل أساس الممر الدولي. لأن هذا الطريق سيمتد الى روسيا ومنها الى أوربا عبر سكة الحديد الأذربيجانية.
اما مد سكة الحديد بين إيران وأرمينيا فليس مجديا اقتصاديا. ان القدرات التصديرية لأرمينيا في مستوى الصفر. ولا يمكن اعتبار هذا البلد سوقا كبيرة ورابحة للمنتجات الإيرانية. بسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة في أرمينيا فإن القدرة الشرائية عند السكان ضعيفة للغاية. من ناحية أخرى، فإن المرافق الاستراتيجية في هذا البلد تملكها الدول الأخرى، ما يدل على انعدام أي مجال يمكن استثماره في هذا البلد. اما تقديم امتلاك التجار الإيرانيين في العاصمة الارمينية عدة متاجر بمثابة وجود العلاقات التجارية الواسعة بين البلدين فليس هذا سوى من السذاجة. وتوجد مئات مثل هذه المتاجر في باكو أيضا.
ويجب الإشارة الى ان المنتجات المصدرة من القطاع غير النفطي الإيراني (فواكه شبه استوائية وحمضيات وفستق سوري ولوز وجوز وأرز وتمر وغيرها) غالية الثمن بسبب طعمها وجودتها العالية. وسكان أرمينيا محرومون من شراء مثل هذه المنتجات بسبب مستوى الفقر الجماعي في أرمينيا.
نشر موقع Theiranproject.com مؤخرا مقالا عن القدرة التصديرية لإيران. حسب معلومات الإدارة العامة الإيرانية للجمارك، ان إيطاليا تحتل المكان الأول بين البلدان المستوردة للمنتجات من إيران خلال الأشهر التسعة لعام 2016. استورد هذا البلد من إيران منتجات بمبلغ 464 مليون و276 ألف و573 دولار. أما أذربيجان فتأتي في المكان الثاني من بين المستوردين. استوردت أذربيجان من إيران خلال هذه الفترة منتجات بمبلغ 302 مليون و128 ألف دولار. وتأتي أرمينيا في المكان الخامس بعد ألمانيا واسبانيا. وكان حجم وارداتها من إيران حوالي 160 مليون دولار او اكثر بقليل. والحال ان أرمينيا كانت تأتي في المكان الثاني بعد إيطاليا من حيث حجم الاستيراد من إيران في سنوات مضت. يظهر هذا مدى عمق الأزمة الاقتصادية في أرمينيا الى جانب انعدام القدرة الشرائية عند سكانها.
هذا وضعف العلاقات الاقتصادية بين إيران وأرمينيا ذو طابع موضوعي، مما يعني ان إيران لا تتعمد ابقاء هذه العلاقات في هذا المستوى. فلا تملك أرمينيا اية إمكانيات بسيطة للتعاون الاقتصادي الواسع. من ناحية أخرى، فإن عدم انتهاج أرمينيا سياسة مستقلة ومزاعمها غير المبررة على أراضي جيرانها ومحاولتها للحصول على الاعتراف العالمي بالمجزرة المزيفة تعرقل تطوير علاقاتها مع البلدان الجارة بأسرها.
هذا فإن عمق التعاون الاقتصادي بين أذربيجان وإيران وكثافته وكونه مجديا للطرفين يحمل طابعا موضوعيا أيضا. لأن أذربيجان تملك إمكانيات اقتصادية كبيرة على اختلاف أرمينيا.
فيما يتعلق بالعلاقات السياسية فيجب الإشارة الى ان الرئيس الإيراني كان قد زار أرمينيا في يناير العام الراهن. أما رفض الرئيس حسن روحاني زيارة تمثال المجزرة الارمينية المزيفة على هامش زيارته هذه فيوضح الأمر توضيحا. على هامش هذه الزيارة وقع الرئيسان الإيراني والارميني على وثيقتين اثنتين فقط، إحداهما عن التعاون في المتاحف والأخرى في المجال الرياضي.
في شرحه موقف إيران من الاستفتاء المقام في كيان يدعى ب"جمهورية قراباغ الجبلية" غير المعترف بها دوليا أعلن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي في شهر فبراير ان طهران الرسمية تعترف بوحدة أراضي أذربيجان وسيادتها وتحترمهما. ولفت قاسمي الى ان إيران لا تعترف ب "جمهورية قراباغ الجبلية" ولا بالاستفتاء المنظم فيها وليس لديها اية نية في الاعتراف بهما.
فيمكن الاستنتاج ان زيارة الظريف هذه هي الأخرى لا يمكن انتظار شيء مفيد لأرمينيا منها. وهذه الزيارة مجرد حدث ضمن برنامج زيارات الوزير في بداية العام. مما يعني ان وزير الخارجية الإيراني كان مضطرا للقيام بهذه الزيارة.