سياسة
"الجمهورية" المصرية: "كاراباخ" أيقونة الحياة الأذربيجانية
![](/files/2022/3/1200x630/16636752421078555607_1200x630.png)
باكو، 20 سبتمبر (أذرتاج)
نشرت صحيفة "الجمهورية" المصرية مقالا للكاتب الصحفي مصطفى ياسين تحت عنوان "كاراباخ" أيقونة الحياة الأذربيجانية". تعيد وكالة أذرتاج نشر المقال:
"احتفلت جمهورية أذربيجان بعيد استقلالها الثلاثين عن الحقبة السوفيتية "السبعينية"، وفى ذات الوقت بتحرير كامل تراب الوطن من المحتل الأرميني لمنطقة "كاراباخ" التي تحولت إلى "أيقونة" النصر والازدهار لدى كل أذربيجاني، منذ أعلن الرئيس إلهام علييف، استردادها وتحويلها إلى جنة خضراء، بالتزامن مع الانطلاق نحو بناء مستقبل أفضل لكل أذربيجاني، وتحقيق التنمية المستدامة في كافة المجالات والأصعدة، فى ظل المواطنة الكاملة والتسامح الديني بين المواطنين.
وتجسَّد هذا الحلم حقيقة ملموسة على أرض الواقع في الجمهورية الجديدة. وهذا ما سنعرفه من خلال التقرير التالي الذي يعرض لجولة أسبوع واحد فقط، في عدد من محافظات ومدن أذربيجانية، صَحِبَنا خلالها عددٌ من المسئولين بوزارة الخارجية الأذربيجانية، وإن كان التقرير لن يفي برصد كامل ومطابِق تماماً لواقع الحال، فالجمهورية الأذربيجانية تُسرع الخُطى لتحقيق أيقونتها فى كاراباخ لتكون لؤلؤة أوراسيا، فضلاً عما تعيشه باقي المحافظات من نهضة وتنمية شاملة ومستديمة، من أجل "حياة كريمة" للمواطنين- تزداد كل لحظة وليس كل ساعة- ترسيخا وازدهارا.
لذا نجد عَجَلَة العمران تدور مُسرعة لإقامة البِنية التحتيّة التي تحتضن كل المشروعات العملاقة التي بدأت بالفعل- وغيرها الكثير يجرى التخطيط له- سواء بالاعتماد على الذات أو الاستعانة بالخبرات العالمية.
لكن المُلفت للنظر حقًّا ذلك الإصرار القوى على ترسيخ مفهوم التسامح والمواطنة بكل حذافيره، بين كافة المواطنين، وهم متنوِّعو العقائد والأعراق والقوميات، حتى المنتمين إلى عقيدة المحتل الأرميني، فلا شيء يعلو هنا فوق اسم أذربيجان، للحفاظ على الهوية الوطنية والحضارية التي يتميز بها الشعب الأذربيجاني.
وضح هذا فيما أشار إليه السيد فائق حاجييف- مسئول الديوان الرئاسى عن منطقة أغدام- من حرص جمهورية أذربيجان على إعادة الطابع الحضارى والثقافي لأذربيجان عامة، والمناطق المحرَّرة خاصة، لما تتميّز به من كنوز تراثية وحضارية ضاربة فى أعماق التاريخ، مُستشهدا بما حدث لمسجد الجمعة بأغدام الذي بُنى بين عامي ١٨٦٨- ١٨٧٠م، بتصميم المعمارى "صفى خان" الذى أنشأ عددا كبيرا من المساجد بنفس الطراز في أنحاء أذربيجان، ولكن المحتل الأرميني دمّره وحوّله إلى حظيرة مواشى، وحملنا نجاساتها بعد التحرير في ٧ ناقلات شحن! وتقوم الحكومة الأذربيجانية حاليا بترميمه وإعادة تأهيله، وسائر دور العبادة والمشاهد التاريخية والحضارية.
التسامح والمواطنة
ولم يقف هذا الاهتمام على المساجد الجامعة في أنحاء الجمهورية فحسب، كما يوضح السيد قربان رضاييف- نائب محافظ كانجا- بأنه تم أيضا إعادة تأهيل وفتح حديقة النصر- التي استهدفها المحتل ليلا، رغم كونها فى منطقة سكنية وبعيدة عن خطوط المواجهة العسكرية- باعتبارها تخدم السياحة والثقافة، ومُتَنَفَّس لسُكان المنطقة وتضم مسجدا وكنيسة أرمينية، تم ترميمها وتجميلها حتى أن وفداً أرمينيا جاء لزيارتها والاطلاع على سلامتها وجاهزيتها، بما يؤكد ترسخ التسامح الديني.
والأمر الأكثر وحشية ما تعرَّضت له المقابر من عمليات نبش وتمثيل بالرفاة ونهب لأبنية المقابر الرخامية غالية الثمن، وأطقم الأسنان الذهبية من الشهداء، حيث عادات الكثير "تذهيب" الأسنان! بالإضافة إلى تلغيم بقايا المقابر والمساجد والمساكن لارتكاب المزيد من الجرائم مستقبلاً! ويرفضون تسليم خرائط وجودها لتسهيل إزالتها!
البنية التحتية
أما عن التركيز على أهمية وجاهزية البنية التحتية، فيشير المسئول عن إدارة كاراباخ السيد اراز امانوف، إلى أن المساحة الكلية لمنطقة كاراباخ تبلغ ١٠ ألف كم- أي حوالى خُمس مساحة أذربيجان ٨٦ ألف كم- وتضم ٨٠ مسجدا سيتم إعادة بنائها، بعد تدمير معظمها بشكل شِبْه كامل، لكن أبقينا على مسجد قرية "مِرْدِنْلِيِه"، ليكون شاهدا على تلك الهمجية، فضلاً عن تأهيلنا دُور العبادة لأصحاب العقائد المختلفة.
كما تقوم الدولة الأذربيجانية بجهود كبيرة لإعادة بناء البنية التحتيّة بأسرع ما يمكن، كما تعهّد بذلك الرئيس إلهام علييف- القائد الأعلى للقوات المسلحة- بتحويل كاراباخ إلى مدينة خضراء، ولذلك قام بوضع حجر الأساس لمدينة "فضولى" الجديدة مقابل المدينة القديمة التي دمَّرها المُحتل، والعمل يجرى فيها على قَدَم وساق للانتهاء منها فى أسرع وقت ممكن. خاصة وأن كل أراضي كاراباخ صالحة للزراعة بمحاصيل القمح والعنب والقطن ومزارع ومناحل لإنتاج عسل النحل الجيد.
بداية الإعمار
وصرح د. إيميل رحيموف- المستشار الإعلامي للسفارة الأذربيجانية بالقاهرة- بأن الدولة الأذربيجانية خصَّصت ٣ مليار دولار كبداية لإعادة تعمير وتنمية كاراباخ، مع تشجيع الشركات العالمية للمشاركة والاستثمار، في إعادة البنية التحتية بأسرع وقت ممكن لاستقبال سكّانها الأصليين وهم قرابة المليون مواطن، مشيراً إلى تشغيل المطار الدولي الذي بُني في "فضولي" 5 سبتمبر 2021، حيث هبطت طائرة ركاب إيرباص A340-500 من طراز "كاراباخ"، قادمة من باكو، في أول مطار تم بناؤه حديثًا في كاراباخ- خلال ٨ أشهر فقط- تأكيدا على القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية، فأصبحت البوابة الجوية لكاراباخ إلى العالم. فعندما وضع الرئيس إلهام علييف أُسس ذلك المطار، قال: إن أحد الأهداف الرئيسية له هو ضمان وصول الضيوف الأجانب إلى "شوشا" العاصمة الثقافية لأذربيجان، والتي تعتبر لؤلؤة كاراباخ، نظرا لموقعها الجغرافي المتميز أعلى تبَّة الجبل ومن يسيطر عليها يتحكّم في المنطقة كلها، فضلاً عما تمثّله من أهمية تاريخية وثقافية وسياحية.
وقال رحيموف: عقب انتصار القوات المسلحة الأذربيجانية فى شوشا، سارعت الحكومة الأذربيجانية، فى ديسمبر ٢٠٢٠، بتخصيص مساحة كبيرة في قلب العاصمة باكو، لتكون معرضاً للغنائم التى حصدتها جرّاء هزيمة الجيش الأرميني ووقوع كثير من عناصره فى الأسر، وتعرِض جانباً من الغنائم التي قُدِّرت بحوالي ٢٥٠- ٣٠٠ من دبّابات ومدرّعات وأسلحة وذخيرة متنوّعة تُقَدَّر قيمتها ما بين ٣ - ٤ مليار دولار، فى حين أن ميزانية أرمينيا كلها ٢ ونصف مليار دولار! ما يكشف بجلاء دعمها من جهات خارجية! وقد أثّرت تأثيرا كبيرا على المحتل الذي اشتكى للعالم كله، لأنها تفضحه وتكشف ضعفه، لكننا نعتز بها كونها رمز انتصارنا، فضلاً عن تأكيد قوّتنا وقُدرة قوّاتنا الباسلة على حماية أراضينا من أي معتد. وفوق كل هذا هي نبراس للأجيال القادمة تذكِّرهم بطولات الآباء والأجداد، وتقوّى لديهم الانتماء للوطن والحفاظ عليه بل تنميته وتقدّمه.
ساحة الشهداء
وتوجد الحديقة وبجوارها المشاريع العملاقة والحديثة فى دلالة رمزية واضحة تشير إلى المزج والتنسيق فيما بين الحفاظ على الحقوق والتمسّك باستقلال كامل تراب الوطن، وبين التطلّع والانطلاق نحو بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة والجمهورية الأذربيجانية. وقد أبدع المسئولون عن تصميم الحديقة حين جمعوا لوحات أرقام الآليات العسكرية الأرمينية وأقاموا منها جدارا ضخماً من الجهتين، وكتبوا عليه إسم الحديقة، حتى لا يُشكِّك أحد فى صدق هذه المعلومات والانتصار الساحق.
لكن الأكثر إبداعا ووفاء، التبجيل العالي والكبير من كافة المواطنين لكل الشهداء الذين قدَّموا أرواحهم فداء للوطن والحفاظ عليه، لذا تمّ تخصيص مساحة كبيرة "ساحة الشهداء" تضم أجسادهم الباقية- بنصوص دينية- فى وسط العاصمة باكو، بجوار مجلس الشعب والبرج الأيقونى، على شاطئ بحر قزوين، بل إن أي ضيف كبير يزور أذربيجان يجب عليه البدء بهذه الساحة للترحُّم عليهم ووضع أكليل الزهور، فيكفيهم فخراً وشرفا وخلودا عند الله، وفى ذاكرة أهلهم ووطنهم، أنهم كانوا جسراً بأرواحهم لتحرير الأرض والعِرض، فاستحقّوا البقاء والخلود.
التطهير والتعمير
ولم يكن تحقيق هذه الإنجازات الكبيرة دون تطهير الأراضي المحرَّرة من الألغام التي بثَّها المحتل- كما ألمح لذلك "احترام سيفيروف" مسئول الوكالة الوطنية لإزالة الألغام- مشيراً إلى وضع الرئيس إلهام علييف، خطة استراتيجية لإعادة تعمير وتنمية مدينة "أغدام" بعد إزالة كل الألغام، ومن خلال تعاون وتنسيق جميع الوزارات والمؤسسات المعنية تم إزالة ١٧ ألف و ٦٦٢ لغما، من مساحة المدينة البالغة قرابة الـ ١٤ ألف هكتار، كل هذه الجهود تمَّت بخبرات محلية وباستخدام أحدث الآليات.
القرية الذكية
وتستمر جهود الدولة لتوفير "حياة كريمة" للمواطنين، كما يؤكد مجاهدوف- مسئول القرية الذكية بمنطقة "زنجلان"- موضحاً أنها باكورة القرى الذكية لاستقبال العائدين لوطنهم، والمكان مُعَدّ ومُجهّز على أحدث التقنيات المتماشية مع استراتيجية صداقة البيئة والتنمية المستدامة من خلال استخدام الطاقة الجديدة والمتجدّدة، فالقرية تضم ١٠٠ منزل جاهز ومثلها تحت التجهيز، وبالفعل تم تسكين ٦٦ أسرة تضم ٣٢٥ فرداً، تم نقلهم على ٣ مراحل و٩٠ بالمائة منهم تم توفير العمل لهم، وكل الخدمات والمساعدات متوفرة من حضانة ومدرسة ومستشفى وفروع لخدمات الانترنت والأحوال المدنية والشخصية والمالية، وتيسيرات لذوى الهِمم، وحديقة ومُتنزّهات وكلها مُأَمَّنة بـ"سور عال".