علم وتعليم
العهد الجديد في نزاع قره باغ الجبلية: أذربيجان تفرض الشروط
باكو، 14 أكتوبر، أذرتاج
تأسيس الدولة الأرمنية في مايو 1918 في الأراضي الأذربيجانية التاريخية هو حقيقة. واصلت أرمينيا الاستيلاء على الأراضي الأذربيجانية بمساعدة روسيا السوفيتية خلال الأحداث التي تلت ذلك. لم يكن انتزاع زنكازور من أذربيجان مجرد استيلاء على أراض جديدة، بل أيضاً فصل ولاية ناختشفان عن أراضي أذربيجان الأخرى وتقسيم العالم التركي. مع إنشاء منطقة قره باغ الجبلية المتمتعة بالحكم الذاتي في أذربيجان في يونيو 1923 تم تعزيز موقع أرمينيا الجغرافي الاستراتيجي. واستفادت أرمينيا من ذلك وتقدمت مراراً وتكراراً بمطالبات إقليمية لقره باغ الجبلية. لم تنجح محاولات تنفيذ هذه المطالب في عشرينيات وثلاثينيات من القرن الماضي وفي عام 1945 وفي الستينيات وأثناء اعتماد دستور اتحاد الجمهوريات السوفياتية الاشتراكية في عام 1977.
نقل البروفيسور والدكتور في العلوم التاريخية كريم شكوروف هذه الأفكار لوكالة أذرتاج. وقال إنه في مرحلة التحول التاريخية عشية انهيار الاتحاد السوفيتي وخاصة بعد عام 1987 تم استخدام تكتيك جديد. كانت مقابلات آبيل أغانبيكيان، المستشار الاقتصادي ميخائيل جورباتشوف في باريس في عام 1987 بمثابة مؤشر إلى بداية منظمة جديدة وانفتاح على المزاعم الإقليمية حول قره باغ الجبلية. وهكذا بدأت المرحلة الحديثة من الصراع الأرمني الأذربيجاني حول قره باغ الجبلية والذي يستمر حتى يومنا هذا.
خلال الفترة الأولى من هذه المرحلة وفي 1987-1991 تم ترحيل الأذربيجانيين بشكل جماعي من أرمينيا. وفقاً لخطة أرمينيا دخلت الأنشطة المناهضة لأذربيجان في قره باغ الجبلية مرحلة مفتوحة. مع الأخذ في الاعتبار أنه في 26 نوفمبر 1991 بقرار من مجلس السوفيات الأعلى لجمهورية أذربيجان تم إلغاء اقليم قره باغ الجبلية ذات الحكم الذاتي كوحدة إدارية إقليمية وأجري التقسيم الإداري الجديد للإقليم.
شنت أرمينيا بدعم من القوات الموالية لها في العالم حرباً واسعة النطاق ضد أذربيجان في فترة انهيار الاتحاد السوفيتي. كانت المرحلة الحديثة من هذا الصراع هي حرب قره باغ الأولى. في مثل هذه الفترة التاريخية في أذربيجان أدى فشل الحكومة القائمة في أواخر 1991-1993 في حماية وحدة الأراضي إلى تعقيد وضع الدولة. من عام 1992 حتى إعلان وقف إطلاق النار في عام 1994 احتلت أرمينيا قره باغ الجبلية وسبع مناطق مجاورة أي ما يصل إلى 20 % من أراضي أذربيجان. خلال هذه الفترة، تم إنشاء مجموعة مينسك لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE). تبنت الأمم المتحدة أربعة قرارات غير منفذة (822 و853 و874 و884) بشأن الانسحاب غير المشروط للقوات الأرمينية من الأراضي الأذربيجانية المحتلة. كانت هذه هي المرحلة الثانية من الصراع.
بدأت المرحلة الثالثة من الصراع بإعلان وقف إطلاق النار. يمكن وصف هذه المرحلة بشكل رئيسي بأنها فترة مفاوضات. وتجدر الإشارة إلى أنه خلال هذه الفترة أجريت مناقشة مسألة التسوية السلمية للنزاع في المجلس الوطني في فبراير2001. علق الزعيم الوطني حيدر علييف في خطابه التاريخي في 23 فبراير لأول مرة وبصورة شاملة على شكل المحادثات حول حل النزاع وموقف الدولة الأذربيجانية. واصل الرئيس إلهام علييف الخط الاستراتيجي المحدد للدولة الأذربيجانية.
ويشير البروفيسور كريم شكوروف إلى أن الجانب الأرمني أقام نظام الاحتلال في الأراضي المحتلة ونفذ إجراءات عسكرة وحاول الإبقاء على الوضع الراهن. إلى جانب كل هذا، روجت دعاية سوداء لزيادة الضغط على أذربيجان واستخدمت الاستفزازات العسكرية. كان للعمليات الهجومية المضادة التي قامت بها أذربيجان ضد أحد هذه الأعمال العدوانية في أبريل 2016 والانتصارات التي تحققت أثر خطير على مضمون هذه المرحلة. تحت تأثير هذا الانتصارات اشتدت النزعة الانتقامية في أرمينيا. لم تكن التغييرات الجديدة في السلطة السياسية واعتماد دستور جديد في أرمينيا من قبيل الصدفة، بل أنها كانت تهدف إلى تعزيز موقف الحكومة في حل نزاع قره باغ الجبلية. في مايو 2018 مع انتخاب نيكول باشينيان رئيساً لوزراء أرمينيا تم إطلاق هذه الآلية. ازداد الخطاب العدواني لحكومة باشينيان ("قره باغ هي أرمينيا" و"الحرب الجديدة للأراضي الجديدة" وإلخ) وبدأت مؤشرات الصراع تظهر. كشف هجوم أرمينيا على منطقة توفوز خارج منطقة الصراع في يوليو 2020 عن اتجاه جديد في سياستها العدوانية وممثل في سحب العمليات العسكرية من منطقة الصراع وإشراك أطراف ثالثة في هذه العمليات وتهديد الإمكانات الاقتصادية لأذربيجان من خلال مهاجمة المنشآت الاستراتيجية وإلخ والتي شكلت اتجاهات رئيسية لسياستها. على الرغم من الاستعدادات الأكثر جدية للمعتدي والقدرة على النصر بالهجوم المفاجئ، صدت أذربيجان الهجوم وتمكنت من إفشال خطة أرمينيا. منذ 27 سبتمبر، ذهبت الدولة الأرمنية إلى أبعد من ذلك ولجأت إلى استفزازات واسعة النطاق. شنت القوات المسلحة الأذربيجانية هجوماً مضاداً. وهكذا، دخلت المرحلة الحالية من الصراع الأرمني الأذربيجاني حول قره باغ الجبلية مرحلة رابعة جديدة. هذه الفترة تسمى بالحرب الوطنية أو حرب قره باغ الثانية بين الناس والرأي العام.
وشدد العالم المؤرخ على أنه يمكن إصدار تعميمات أولية حول المرحلة الجديدة من الصراع نتيجة للاستفزاز العسكري من قبل أرمينيا. والفترة من 27 سبتمبر إلى إصدار البيان لوزراء الخارجية لاتحاد الروسي وأذربيجان وأرمينيا عقب الاجتماع المنعقد بمبادرة الجانب الروسي في 9-10 أكتوبر في مدينة موسكو والعهد ما بعد هذا الاجتماع . يحتل نداء الرئيس إلهام علييف للشعب ولقاءاته مع قنوات تلفزيونية وخطاباته أخرى مكانة هامة في توضيح جوهر هاتين الفترتين. بالمعنى الحقيقي للكلمة، يمكن أن يسمى كل هذا بموسوعة لذلك الوقت. ستذكر عمليات الهجوم المضاد للجيش الأذربيجاني في الفترة من 27 سبتمبر إلى وقف إطلاق النار باعتبارها واحدة من أهم الصفحات في تاريخ البلاد العسكري. توجد بالفعل لحظات لا تُنسى في حياة المدن والقرى في تاريخ أذربيجان التي كانت تحيى أيام الاحتلال فقط. ويضاف يوم تحرير كل منها إلى يوم احتلالها أي جبرائيل: تاريخ الاحتلال في 23 أغسطس1993 وتاريخ التحرير من العدو في 4 أكتوبر 2020 ".
كانت هذه الانتصارات ممكنة بسبب السياسة الهادفة التي انتهجتها الدولة الأذربيجانية. لقد عززت حرب أذربيجان العادلة من أجل تحرير الأراضي المحتلة مكانة البلاد الدولية. وتجدر الإشارة بشكل خاص إلى الدعم المعنوي للدولة التركية لأذربيجان منذ اليوم الأول للعمليات العسكرية.
كما أدت الانتصارات التاريخية لأذربيجان في المرحلة الأولى من الهجوم المضاد إلى القضاء على مفاهيم مثل "الوضع الراهن" و"خط التماس". في مواجهة انتصارات الجيش الأذربيجاني تعرضت أرمينيا أسوأ هزيمة في تاريخها: تتجاهل أرمينيا قواعد الحرب ومتطلبات القانون الإنساني الدولي. إنها تحاول توسيع منطقة العمليات العسكرية من الأراضي المحتلة لأذربيجان بإطلاق النار على المدنيين بأسلحة محظورة. كان البيان الذي أصدر في 9-10 أكتوبر نتيجة الانتصارات العسكرية لأذربيجان، على عكس لعام 1994وأرمينيا على علم بذلك وانتهكت وقف إطلاق النار منذ ساعاته الأولى وقصفت مرة أخرى مدن ومناطق أذربيجان الواقعة خارج منطقة الصراع. تم تقييم القصف المدفعي لكنجا التي هي ثاني أكبر مدينة في أذربيجان من قبل أرمينيا، مما أسفر عن مقتل 10 مدنيين بمن فيهم نساء وأطفال وإصابة كثيرين آخرين نتيجة لهذا النيران على أنه إرهاب وإبادة جماعية. عند التفكير في المرحلة الجديدة من نزاع قره باغ الجبلية، يجب التأكيد على أنه لأول مرة في سياق هذا الصراع اكتسبت أذربيجان مزايا كبيرة في كل من المجالات العسكرية والسياسية والدبلوماسية.