الذاكرة الدموية
أرمينيا العدوانِ وسَحلِ الأذربيجانِ
باكو 25 فبراير/ شباط (أذرتاج).
أدرجت اليوم بصحيفة "الديار" الأردنية مقالة للكاتب الصحفي الشهير مروان سوداح تحت عنوان (أرمينيا العدوان وسحل الأذربيجان ) وإليكم نص المقالة:
تستحضر الذاكرة الإنسانية والشخصية في هذه الأيام، الذكرى الـ(20)المأساوية، لبدء سلسلة المذابح التي إقترفت بحق الأذربيجانيين، عشية تحلّل الإتحاد السوفييتي السابق، والفظائع المتتالية التي رافقت هذا التحلل ومنها إحتلال أراضي أذربيجان الصغيرة في ناغورنو كاراباخ، على يد القوات الحكومية الأرمينية، بدعم خارجي سافر، أوله كان من قيادات الإتحاد التي ذهب ريحها إلى غير رجعة، وثانيها من قوى تراقب المنطقة من خارج النطاق الإقليمي، رأت في الإقتتال مدخلاً مناسباً لمصالحها وعودتها الى رقعة إستراتيجية.
في فبراير1992 أحكمت القوات الحكومية الأرمينية قبضتها العسكرية على منطقة خوجالي الأذرية المسالمة، وجلها من المدنيين، وعملت على إبادة سكانها، دونما السماح لأي منهم بالخروج منها. فقد كان قراراً نهائياً بالموت، وكانت مذبحة تعيدنا بالضرورة الى سنوات الحرب الكونية الثانية، ومخططات هتلر وموسوليني، غوبلز وهملر، لإبادة المجموعات البشرية، والتخلص من "الأغيار" بالنار. وحق اليوم أن تُقارن مذابح يرفان الرسمية بمذابح المانيا الهتلرية، والشروع بصياغة قانون دولي عن "المذبحة الأذرية" على الأمم المتحدة، بعدما أُقرت المذبحة وبعدما إعترفت بحدوثها مؤخراً منظمة التعاون الإسلامي، ثاني أكبر منظمة تأثيراً وتمثيلاً وعالمية بعد الأمم المتحدة.
كان القتل متواصلاً وكان الرصاص يزأر لسفح المزيد من الدماء وسفكها، فقد تصادقت حكومة أرمينيا انذاك مع عزرائيل وتحالفت وإيّاه. خلال المذبحة قتل المئات، وأُزهقت أرواح المساكين والمسالمين، ولم يَفلت أحداً من عيارات نارية ولا مِن سكاكين حزّت رؤوس الأطفال والشيوخ، وبُقرت بطون النساء وخرجت منها الأجنّة البشرية في مشاهد مروعة يَندى لها جبين الإنسانية، وهتكت أعراض الأذربيجانيات على مرأى ومسمع العالم "المتحضر". والمقرف أن "إسرائيل" لم تصمت جراء هذه الجرائم فحسب، بل أنها أيضاً ساندت أرمينيا وشدت من أزرها وعزمها، فكان الأمر مشابهاً لمواقف اللوبيات الصهيونية الدولية، والى الآن، في الكونغرس، وفي باريس وعواصم الإستعمار التقليدية الأخرى، التي "ارتقت" إلى "الميغا إمبريالية"!.
ليست هي السيدة الأولى ميهربان علييفا، رئيسة مؤسسة حيدر علييف وسفيرة النوايا الحسنة لمنظمتي اليونسكو والإيسيسكو، التي استنكرت هذه المذبحة وغيرها من المذابح المدوية لحكومة أرمينيا وحلفائها، بل ونحن أيضاً أصدقاء أذربيجان ورفاقها، وهي كذلك منظمة التعاون الإسلامي بأعضائها الـ57 المتحدون حول قراراتها الأخيرة الداعية لمعاقبة أرمينيا ومذابحها وعدواناتها المستمرة، وقد دعا هذا الصرح الأممي قبل أسابيع قليلة الى وقف التعاون مع أرمينيا، بكافة الأشكال والصور. علييفا وصفت المذابحح التي تعرض إليها شعبها على يد الأرمينيين المتعصبين بأنها مأساة تعتبر واحدة من أفظع الجرائم التي أرتكبت ضد الإنسانية في القرن العشرين, متمنية ألاّ تتعرض أي أمة لمثلها.
تؤكد الحقائق الموضوعة الآن على طاولة الآمين العام للأمم المتحدة، أن مجزرة المدنيين في خوجالي، كانت نموذجاً للتطهير العرقي. أما كاتب هذه السطور فيزيد على ذلك بأن المذبحة كانت إبادة مُمَنهجة ومرفوعة الى مستوى الدولة، فقد وجّهت لإبادة الأذريين إبادة جماعية لكونهم جزء من شعب أذري, وقد اختار المتطرفون مدينة خوجالي حقلاً لتجربتهم ومرحلتهم القتالية الأولى، لمزيد من الإحتلال والتطهير العِرقي للأراضي الأذربيجانية، ولخلق حالة من الفزع السكاني قبل إرتكاب مذابح لاحقة، من شأنها تشكيل فراغ ديمغرافي وسياسي في المنطقة الأذرية، يمكن الدفع بعده بحلفاء أرمينيا الدوليين لمطالبتها بـ"سد الفراغ" فيه ولملء هذا الفراغ بأرمينيا المتضخمة مساحةً، لتصبح هذه الدولة، بالتالي وجراء حروبها المتصلة ضد جيرانها، إمبرطورية إقليمية وساعداً للقوى الكبرى في منطقة تعتبر المفتاح الأمثل لإقليم قوقازي شاسع واسع، وغني بمطموراته وخيراته وجاذب بأجوائه الخلابة.