الذاكرة الدموية
إبادة عِرق
إبادة عِرق
باكو، 25 فبراير/ شباط (أذرتاج).
بقلم الأكاديمي والصحفي الشهير مروان سوداح
خط الطول الذي يبدأ في الشمال، ويشتمل على القوقاز، وينتهي وهمياً في الجنوب الأرضي، مروراً بالشرق الأوسط، يضج بالكثير من الصراعات والنزاعات والمآسي المتواصلات والمتصلات، التي يبدو أن شعوب هذه الرقعة الكبرى من الأراضي العامرة، وقد أنتجت القيم وأعلت المبادئ الى ذرى عالية، قد ابتليت لكونها مفتاح العالم، ولأنها البوابة التي تدخل منها الأمم كبيرها وصغيرها والدول العظمى على عظمتها لتلقي رسائل السماء والتحضّر وللتنافس في الحوز على الشرعيات التاريخية والدينية.
وبرغم من هذه المكانة الرفيعة التي تحظى بها هذه المنطقة من لدن الخالق، إلا أن التنافس الفظ على مساحاتها يصل أشده في آحايين كثيرة، الى حد التقاتل والتنازع، ويبلغ مبلغ الإجرام والتنكيل وتدمير الآخر، وينسحب الأمر على ذات المعتدي كذلك، في تنافس لا يمكن ألا أن يكتسب السواد ويتوشح بالسخام، فيصيب صاحبه بالعار مدى الزمان.
كان هذا هو شعور أعضاء منظمة التعاون الإسلامي التي وضعت قبل فترة النقاط على الحروف، وتعاملت بالحقائق، للدفاع عن أعضائها من تعديات جديدة، فأقرت أن ما جرى في ناغورنو كاراباخ ليس سوى إبادة جنس غير معهودة في تلك المنطقة، وتصفية عرق أذري في وطنه التاريخي، وجرّه الى المنافي وقيعان الحرمانات والفقر، لتتقاذفه الأعاصير، وتفتته رياح الجوع والتشرد ووادي الدموع، والواقع هو كذلك لا نقاش فيه.
فما جرى على الأراضي الأذرية ليس إلا إبادة بشعة الصورة والمعنى، مُخطط لها لشعب ولمستقبل شعب أعزل، وتفريغ أراضٍ بالقوة المسلحة الغاشمة، من جانب جارٍ يتطلع الى تنظيف عرقي مستمر لجاره، على منوال ما أعلن عنه الفلاسفة منظرو الرأسمالية المتوحشة، ممن يدفعون بلادهم بين سنة وأخرى الى ارتكاب الموبقات، للتخفيف مما يسمونه «الأحمال البشرية الزائدة»، فإنقاذ دورة رأس المال المالي، والكساد السلعي والصناعي الذي يعانيه في بُنيته المستشرية على بعضها بعضاً.
هناك على الحدود، وهي طويلة ومتداخلة خاصة بعد الإحتلال الأرميني لناغورنو كاراباخ، تستمر المواجهات بعيداً عن الإعلام وطبول الحرب الدولية في مناطق أخرى، ولكأن القول الفصل أضحى لموت أذريين، ولقرار بأن تعتصر المنطقة الكاراباخية نفسها وتستهلك مقومات وجودها، برغم أن حضارتها تضرب جذورها في تاريخ سحيق دون أن تتمكن من أنقاذ نفسها من إندثار، يفرضه المعتدي ومَن يقفون خلفه شادين أزره العدواني.
المطلوب اليوم هو وقف ذلكم التمدّد العدواني الذي يهدد آسيا برمتها، ومن ضمنها التطاولات المهددة للشعب الأذري، الذي تنادت دول منظمة التعاون الإسلامي كافة دون أي استثناء لمد يد التضامن إليه، ومناشدة الأمم المتحدة لفرض قراراتها على منطقته بغية إنقاذه، ووقف الإمدادات التسليحية لأرمينيا، خشية من مجارز كبرى قد ترتكب من جديد، وشجب سياسة ما يسمى بالأمر الأحتلالي والتفريغي والإستيطاني الواقع، ومنه العسكري والديمغرافي، وشجب محاولات توظيف هذا الواقع كأساس للتسويات، بغية فرض أجندات عدوانية يهدفون الى إرسائها كقاعدة للتعامل الدولي، وشرعنة الإحتلال وإغتصاب الأرض والسكان وقوننة تهجيرهم وإبادتهم بالجملة دون رقيب دولي ولا حسيب إقليمي، وهي «سياسة عدوانية تمارسها جمهورية أرمينيا» شجبتها منظمة التعاون الإسلامي ووصفت أثارها المباشرة بـِ»المدمرة».
«التعاون الإسلامي» تنطلق في قراراتها من مبادئها وأهدافها ووفقاً لميثاقها، وهي المنظمة العالمية الثانية بعد الأمم المتحدة من حيث ضخامة التمثيل والبُعد العالمي والقاري، والتأثير السياسي لها ولأعضائها مجتمعين، وعندما تقر قراراً، فإذ يصبح نافذاً وملزماً لأعضائها-حكوماتها يكون كذلك نبراساً لشعوبها، ولمنظمات المجتمع المدني وللمؤسسات الرسمية في الدول الأعضاء فيها، ونافذة ترشد أصحاب القلم والمفكرين لإعمال تفكيرهم في السُبل الكفيلة بحماية شعوبهم، وعلى الأجندة اليوم تطفو مسألة حماية الشعب الأذري وشعب ناغورنو كاراباخ من مستقبل مظلم لا يلتفت العالم الى مآسيه الكبيرة ومستقبله القاتم، بعدما ارتكب ما ارتكب بحقه من مجازر هولوكوستية مروعة يندى لها جبين العالم المتحضر، الذي عليه أن يتفق لإنقاذه منها، فوأد أخطارها المحدقة بالأذريين الى غير رجعة.