مؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا منصة دولية ذات أهمية كبيرة

باكو، 19 مايو، أذرتاج
تُلاحظ توترات وعمليات غير بناءة في نظام العلاقات الدولية في العصر الحديث وفي العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين تزايد عدد النزاعات ذات الطابع المختلف في العالم وفي ظل الصراعات الجيوسياسية المتوترة تُعد دراسة الوضع والبحث عن سبل الخروج منه من خلال المنصات الدولية أمرًا في غاية الأهمية ومن هذه الزاوية لا بد من الإشارة إلى أن استضافة أذربيجان للاجتماع القادم لمؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا تكتسب أهمية على صعيد السياسة العالمية. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن ثلثي سكان العالم، أي نحو أربعة مليارات شخص، يعيشون في قارة آسيا فنرى أن هذه المنصة الدولية تحمل أهمية كبرى في ضمان أمن كوكبنا في المستقبل وترسيخ السلام العالمي وتعزيز الثقة المتبادلة.
وتم طرح مبادرة عقد مؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا لأول مرة من قبل كازاخستان خلال الدورة السابعة والأربعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1992م وكان الهدف الرئيسي من هذه المبادرة إنشاء منظمة فعالة وشاملة لضمان السلام والأمن في قارة آسيا.
وجرى تبني الوثائق الرئيسية التي تنظّم فعاليات مؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا والذي يضم حالياً 28 عضوًا وهي "إعلان المبادئ التوجيهية للعلاقات بين الدول الأعضاء في مؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا" الذي تم اعتماده عام 1999م و"وثيقة ألماتي" التي اعتُمدت عام 2002م وأما الهيئة الإدارية للمؤتمر فهي الأمانة العامة ومقرها في مدينة أستانا وتتمثل الهيئات الرئيسية لاتخاذ القرار في المؤتمر مجلس رؤساء الدول والحكومات الذي ينظم القمة كل أربع سنوات وفقًا للإجراءات المعتمدة ومجلس وزراء الخارجية الذي يعقد اجتماعات كل أربع سنوات ولجنة كبار المسؤولين التي تعقد اجتماعات مرتين على الأقل في السنة.
وإن أذربيجان إحدى أوائل الدول التي دعمت مبادرة كازاخستان بشأن عقد مؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا ولا تزال تشارك بنشاط في إطار هذا التعاون. ويضطلع بلدنا بدور المنسّق في مجال تدبير بناء الثقة المتعلق "بتطوير أنظمة ممرات النقل الآمنة والفعّالة" وفي هذا السياق استضافت أذربيجان عام 2011م اجتماعًا للخبراء في باكو في هذا المجال. كما نظّمت أذربيجان عام 2021م اجتماعًا افتراضيًا للخبراء بعنوان "تعزيز التعاون في مجال الرقمنة في عمليات النقل واللوجستيات". وعلاوة على ذلك، عُقد في أبريل 2018م في باكو المؤتمر الثالث لمجلس شباب المؤتمر تحت عنوان "التعاون الدولي بين الشباب في سياق السلام والأمن والاستدامة".
وقد دأبت البيانات الختامية لاجتماعات القمة لمؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا وكذلك الوثائق الصادرة عن اجتماعات الوزراء على إدانة النزعة الانفصالية بوصفها تهديدًا لاستقرار الدول وسيادتها وسلامتها الترابية مؤكدةً على ضرورة بناء العلاقات بين الدول الأعضاء على مبادئ احترام السلامة الأرضية والسيادة والحدود المعترف بها دوليًا .
وتم اعتماد خارطة طريق بشأن تحول المؤتمر إلى منظمة دولية كاملة الصلاحيات في الاجتماع غير الرسمي لمجلس وزراء خارجية مؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا الذي عُقد في 21 سبتمبر 2023م ويجري حاليًا تنفيذ البنود الواردة في تلك الخارطة ومواصلة العمل في هذا الاتجاه.
وانتقلت رئاسة المؤتمر إلى بلدنا للفترة الممتدة بين عامي 2024 و2026م بموجب قرار مجلس وزراء مؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا الصادر في 19 مارس 2024م وفي إطار رئاسة أذربيجان للمؤتمر من المقرر أيضًا أن يتولى بلدنا رئاسة مجلس الأعمال التابع للمؤتمر خلال الفترة نفسها.
ويُعقد الاجتماع العام الثامن لمجلس الأعمال التابع لمؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا في باكو في 20 مايو الجاري وهذا ليس بأمر عابر إذ إنّ أذربيجان مشاركة من المشاركين الرئيسيين في المشاريع الاقتصادية الدولية سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي اليوم بفضل تطورها الاقتصادي. ولا بدّ من الإشارة في البادئ ذي بدء إلى أن أذربيجان الواقعة جغرافيًّا عند تقاطع آسيا وأوروبا قد حدّثت بنيتها التحتية بالكامل لتطوير طرق التجارة ويُشكّل كل من خط سكة الحديد الواصل بين باكو وتبيليسي وقارص وخط أنابيب النفط الممتد بين باكو وتبليسي وجيهان وخط أنابيب الغاز الممتد بين باكو وتبليسي وأرضروم وممر الغاز الجنوبي وممر زنكزور الذي سيدخل حيّز التشغيل في السنوات القليلة المقبلة وخط كابل تصدير الطاقة الكهربائية الذي سيربط بحر البخر بالبحر الأسود فضلًا عن مشاريع البنية التحتية الداخلية الأخرى فرصًا مهمّة لدول مؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا ومساهمة كبيرة في التنمية الشاملة.
وجاء في بيانات الإدارة العامة للجمارك الصينية أن حجم التجارة بين الصين والاتحاد الأوروبي ارتفع عام 2024م بنسبة 4ر0 في المائة ليصل إلى 786 مليار دولار. كما شهدت هذه الفترة بلوغ صادرات الصين إلى الاتحاد الأوروبي 517 مليار دولار بزيادة قدرها 3 في المائة وأما صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الصين فقد ارتفعت بنسبة 4ر4 في المائة لتصل إلى 269 مليار دولار. وتُظهر هذه الأرقام تطوّرًا في حركة الشحن والنقل والعبور بين هذين الفاعلين الاقتصاديين الكبيرين وبناءً على ذلك لا بدّ من الإشارة أيضًا إلى الأهمية السياسية والاقتصادية لمسار النقل الدولي العابر لبحر الخزر عبر أذربيجان.
وتحدد منصة مؤتمر التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا سُبل معالجة العوامل التي تؤدّي إلى التوتّر في العالم بما في ذلك النزاعات والمواقف المتطرفة والإرهاب إذ إنّ هذه التحديات هي التي أوصلت عالمنا إلى الوضع المتأزّم الراهن وقد أسّست الدول المشاركة في المؤتمر أساس الأمن السياسي أيضًا بجانب أساس التعاون الاقتصادي فالمصالح الاقتصادية أوجدت ضرورة متبادلة لتقديم الدعم السياسي بين الدول الأعضاء.